من الملاحظ دائما فيما يخص الحكومات التى تحل جديدة على مصر أنها تعطى اهتماما بالغا فى برامجها أول الأمر للطبقات المجتمعية المتوسطة ومحدودة الدخل، إلا أن هذا الموضوع المهم سرعان ما ينسى أو تغرق الحكومة فى المشكلات اليومية الملحة ولكن هذا المنوال السابق لن يكون مقبولا من الآن فصاعدا بعد تولى الرئيس السيسى وتشكيل حكومتنا الجديدة، وذلك لان توزيع الدخول فى الدول الأخذة فى النمو مثل مصر يقوم على التفاوت الكبير بين الطبقات المجتمعية، ومن البديهى أن يزيد هذا التفاوت فى الدخول من أهمية دور إعادة توزيعها لصالح الطبقات الفقيرة من خلال الأدوات المالية الداخلية المتوفرة لدى صندوق السياسة العامة للدولة. ومع ذلك لم تقطع الادارة ولا الحكومات السابقة منذ قيام ثورة يناير 2011 شوطاً كبيراً فى تقليل هذا التفاوت بعد، أى فى إعادة توزيع الدخول، وذلك لاعتبارين: أولهما؛ انخفاض النفقات الاجتماعية، وهى التى تقوم أساساً بعملية إعادة توزيع الدخول، ويزيد من أثرها أن الطبقات الفقيرة فى مصر التى لا تملك الوعى الكافى ولا المقدرة للإفادة من هذه النفقات الاجتماعية على قلتها، ومثل ذلك الخدمات التعليمية والثقافية، أو حتى الطبية منها وذلك لعدم انتشار مراكز هذه الخدمات. ولذلك يمكن القول أن الطبقات فوق المتوسطة هى أول المستفيدين من النفقات الاجتماعية فى مصر، وهذا على العكس من الحال فى البلاد المتقدمة، وهو أمر مناف لمبدأ العدالة الاجتماعية والعدالة الاقليمية فى توزيع خدمات الدولة. وثانيهما ؛ ارتفاع الضرائب غير المباشرة فى مصر إلى حد كبير لا يتناسب مع متوسط الدخول العامة.
فلا نتصور أن ينتظر الشعب أكثر من ذلك فى ظل تلك المفارقات بين السياسات المعلنة والسياسات المطبقة فى دولة أسقطت أنظمة لتحقيق العدل والمساواة، ومعنى ذلك أن تسارع الدولة أولاً فى تغيير النظام السياسى بما يتضمن ازدياد سلطة الطبقات ذات الدخول المحدودة، حتى تتمكن من زيادة النفقات العامة، ومن العمل على إعادة التوزيع فى صالحها وهم الاكثرية العددية فى مصر، ويتطلب أيضاً إتمام مرحلة كبيرة من مراحل البناء والتنمية مما يسمح بزيادة النفقات العامة وبزيادة الضرائب على الدخول وخاصة الضرائب التصاعدية وتخفيض الضرائب غير المباشرة والتى تضرب محدودى الدخل أكثر من غيرهم من الطبقات الأخرى، ومعنى ذلك أن التنمية الاقتصادية تعتبر ضرورية للتوسع فى إعادة توزيع الدخول فى صالح الطبقات الفقيرة. والحق أن الدولة فى مصر عملت ابتداء من قيام ثورة يناير 2011 وتولى المجلس العسكرى وحتى الآن مع حكومات الرئيس السيسى المتعاقبة والتى تعطى شيئا من الأمل، إلا أنها لم تحقق بعد إلا بعض الاجراءات المحمودة فى محاولة لإعادة توزيع الدخل القومى فى صالح الطبقات ذات الدخول المحدودة، وذلك بغرض رفع مستوى معيشتها، وبغرض السعى وراء تحقيق العدالة الاجتماعية وإحداث تحول حقيقى فى صالح جموع الشعب وليس طبقة على حساب كل الطبقات. وقد اعتمدت الحكومات المتعاقبة حتى اليوم فى تحقيق هذا الغرض على مختلف الأدوات المالية وعلى كثير من الأدوات غير المالية أيضاً، وقد ركزت هذه الاجراءات التى اعتمدت عليها الدولة فى السنوات الثلاث ونصف السنة الماضية على الاجراءات المباشرة وغير المباشرة، ونقصد هنا بالإجراءات المباشرة تلك التى تهدف بصفة أساسية، إلى إعادة توزيع الثروة القومية، ومثلها توزيع الأراضى والعقارات وإعادة تقسيم المشروعات التى قد تم تخصيصها وردها للدولة بالإضافة إلى التأثير فى التوزيع الأولى للدخول بين المنتجين (مثل محاولة وضع الحد الأدنى والحد الأعلى للأجور.... الخ) وتؤدى هذه الاجراءات إلى التأثير فى توزيع الدخل القومى وتحقيق العدالة الاجتماعية بقدر ما، أما عن الاجراءات غير المباشرة فقد تلخصت فى محاولة إعادة هيكلة منظومة الضرائب المباشرة وغير المباشرة والنصوص الدستورية الخاصة بضمان العدالة الاجتماعية من خلال «الضرائب التصاعدية» إلى جانب زيادة الاعتمادات الخاصة للتوسع فى النفقات العامة وخاصة المخصصة منها لأغراض اجتماعية، مثل النفقات التعليمية والصحية والتموينية، ومثل المعاشات والتأمينات الاجتماعية (ولكن ليس بالقدر الكافى). ولكنى أرى أن ما تحقق من انجازات فى الأعوام الثلاثة الماضية، وليست هى بالفترة القليلة، لا يرقى إلى طموح المواطن المصرى الذى قام بثورة من أجل العيش والعدالة الاجتماعية، فإن الدولة بما لها من أدوات وسياسات عامة داخل صندوق الحكومة ووزاراتها كافة، يمكنها أن تحقق أكثر من ذلك وفى مدة زمنية أقل من التى مضت، هذا إذا ما وضعت نصب أعينها تحسين أوضاع الطبقة الوسطى والفقيرة كهدف أول فى كل خطط الدولة الحالية والقادمة. فالحل يبدأ من الداخل فمازال بالصندوق الكثير من الادوات والسياسات غير المستخدمة أو غير المفعلة للحد الأمثل وكذا بإعادة ترتيب أولويات الدولة، وأن تعمل كل القوى المنتجة لتحقيق هدف واحد وهو «مصلحة الوطن والمواطن» فالحل اذا داخل الصندوق وليس خارجه كما يعتقد البعض فى الاعتماد على تحصيل الكفاءة بمجموع الغير من منح وهبات وقروض تهبط علينا ممن يرضى عنا اليوم وقد يغضب علينا غدا، ولعل الأمل فى الجهاز الإدارى الجديد للدولة ان يظل عاملا على تحقيق تلك الأهداف ولا يشغله العمل اليومى فى المستنقع البيروقراطى وينسى الواجب الأهم المواطن المصرى، هذا مع وجوب تركيز الحكومة الحالية بوزرائها الجدد وأى حكومة فى المستقبل على تحسين أوضاع الطبقات محدودة الدخل.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الدميري
اتمنى منك د ايمن بصوتك المسموع ان تتحدث عن الحلول الجذرية