عندما تحزن لوفاة شخص لم تقابله يوما، اتفقت أو اختلفت معه، فهذا معناه أن الصدق مع النفس يصل إلى القلوب، إذن فأنت أمام النموذج والقدوة محمد يسرى سلامة، رحمه الله.
صدق سلامة الذى لا ينكره من تعامل معه ومن لم يتعامل يعكس الحياة الطاهرة النقية لشاب لم يتعد الثلاثين من عمره، شارك فى ثورة يناير منذ اليوم الأول لها رغم قرار الدعوة السلفية بعدم النزول، ومارس السياسة بشرف وبنبل دون تغير للمواقف، تحدث فى كل القضايا بمبادئ ثابتة لله وللوطن، بعيدا عن أى منصب حزبى أو كرسى فى البرلمان.
محمد يسرى سلامة تحدث عن جوهر الإسلام فكان داعيا له لا منفرا مثل باقى المتحدثين عنه، وقف على الخط الشائك فى العلاقة بين الدين والسياسة فى مصر بعد الثورة فكانت آراؤه دائما تصب فى إبعاد الدعوة عن السياسة كى لا تحرق الدعوة، ومن هنا بدأ خلافه مع حزب النور الذى يذوق الجزاء هذه الأيام.
سلامة عاش شريفا متدينا مناضلا يحب ربه ويحب بلده، فكانت آخر تغريداته: «إن كان حظى فى الحياة قليلها.. فالصبر يا مولاى فيه رضاك»، وكتب أيضا تغريدة لا يقل وصفها بأنها كشف حساب ختامى لرجل عاقل متزن يبغى عزة وطنه لا مصلحته الشخصية قال فيها: «صحيح أننى لم أحصل على أى مكاسب من الثورة بل خسرت أشياء ولكننى لست بنادم اخترت الثورة، وكان يمكننى أن أكون عضوا فى كل لجنة وبرلمان.. وفخور بذلك».
عندما تجد القبطى والليبرالى والعلمانى والملحد والماركسى والاشتراكى والإخوانى والجهادى والسلفى ينعى الدكتور محمد يسرى سلامة... فهنا مكمن كل الأسئلة عن شخص يجمع بين الميزات المتناقضة، الشباب، والالتزام الدينى وحرية الفكر والتنوير والانفتاح على الآخر.
تتزامن هذه الأيام مع الذكرى الثالثة لمحمد يسرى سلامة ومعها يتجدد الحديث عن طموحات الشاب نحو الثورة والعلم، هل تحققت أم هناك عثرات، هل تسير البلاد بخطى ثابتة للأمام، أم أن مبدأ التخوين لايزال قائما، ومن ليس معى فهو ضدى أو من ينتقدنى فهو ليس معى أو من يطرح انتقادا فهو لا يحب مصلحة البلاد؟
حتى الآن لا تزال مشكلة الشباب قائمة، تدفع الدولة بأسمائهم للتعيين فى مناصب مساعدين للمحافظين والأجهزة التنفيذية، ثم تعود لترفع تلك الأسماء، تستعين بهم الدولة وقت الحاجة السياسية، ثم تتجاهلهم بعد ذلك، لا يزال قانون التظاهر مظهر الغضب الأساسى لعدد كبير من الشباب الذى يصل لقناعة أن القانون السبب فى حبس عشرات المحبوسين على 25 يناير و30 يونيو، ورغم كل المناشدات لتغيير القانون أو تعديله إلا أن لا أحد يستجيب.
عشرات الشباب من حاملى الماجستير والدكتوراه لا يزالون يتظاهرون يوميا وينظمون عشرات الوقفات الاحتجاجية، طالبين التعيين فى وظائف حكومية أملا فى راتب ثابت، رغم أن الراتب نفسه قليل ولكن لا سبيل لهم غير ذلك، ومثلهم الآلاف المتقدمون فى وظائف إدارية بمسابقة شركة المياه والشرب أملا أيضا فى راتب قليل ولكن ثابت.
أزمات الشباب التى كان يسرى سلامة حالما لها ومعاصرا لها وراغبا مع جيله فى حلها لا تزال كما هى ولكن بصور مختلفة، تتغير بمشاهد جديدة وبتفاصيل أكثر قسوة فى ظل المتغيرات اليومية والأحداث المتلاحقة.
أملى أن لا تأتى الذكرى العاشرة لرحيل هذا الشاب الحالم، إلا وكانت مصر فى حال غير حالها، أكثر انفتاحا، وأكثر استغلالا لطاقة شبابها، وأكثر جراءة فى معالجة قضاياها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة