من أكثر الأشياء التى تأخذ بقلب الإنسان لربه وتجعله يدرك مقامه عنده ومودته له تلك التشريعات التى تحض على نفع الغير أو ما يعرفه العلماء بالنفع المتعدى. أن ينظر الإنسان نظرة مختلفة لأحاديث فضائل النفع المتعدى، فذلك حرى بأن يجعله منبهرا بذلك القدر من الرعاية والعناية اللذين يوليه الشرع بهما، هل حاولت يوما عكس اتجاه تلك التشريعات والنصوص التى تحض على نفع الغير لتتأملها على أنها إنما جُعلت من أجل راحتك وسعادتك ونفعك أنت؟ نعم أنت، يعاملك الله بها من خلال شرعه، من خلال أوامر ومندوبات قالها نبيه، كلها تقريبا لو عكست اتجاهها فتفاجأ أنها إنما جُعلت لأجل إسعادك أنت وإدخال السرور على قلبك أنت وتفريج كربك وإزالة همك أنت، هلم بنا من خلال السطور المقبلة، نحاول أن ننظر بتلك النظرة مختلفة الاتجاه.
لقد جعل الله أحب الأعمال إليه سرورا يدخله الناس على قلبك فى الحديث الصحيح «أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على قلب مسلم» وجعل الله خير الناس أنفعهم للناس.. وأنت ناس فخير الناس أنفعهم لك ومن سترك ستره الله، من كان فى عونك كان هو سبحانه فى عونه، من نفس عنك كربة من كربات الدنيا فرّج هو عنه كربة من كربات يوم القيامة، من يسر عليك حين إعسارك عن أداء دينك يسر عليه فى الدنيا والآخرة، وتجاوز عنه وجعله فى ظل عرشه يوم القيامة، من علمك خيرا جعل الملائكة والمخلوقات حتى النملة فى جحرها يصلون عليه، جعل أحسن القول قول من دعاك إليه وأخذ بيدك لطريق هدايته، لو أنك زوج جعل جهاد زوجك الفاضلة فى إحسانها لك، وجعلك سكنك وطاعتك هو خير أعمالها بعد أداء فروضها، ولو أنك زوجة فقد جعل خير الرجال زوجك إن كان خيرهم معك وجعل إحسانه إليك ومودته لك ورحمته بك مقصدا أسمى فى زواجكما حتى اللقمة يضعها فى فمك جعلها له أعظم صدقة، ولو أنك والد جعل بر أبنائك بك أعظم أعمالهم بعد صلاتهم بل وقدمه على الجهاد فى سبيله.
فى صحيح مسلم سُئل رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أىُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ؟ قالَ الصَّلاةُ على وقتِها قيل: ثمَّ أىٌّ؟ قالَ ثمَّ برُّ الوالدينِ قيل: ثمَّ أىٌّ؟ قالَ ثمَّ الجهادُ فى سبيلِ اللهِ ولو أنكِ والدة فقد رغّب أبناءك فى حسن صحبتك بجملة جامعة مانعة «الزَمْ رِجْلَها، فَثَمَّ الجنةُ»، بل جعلك أحق الناس وأولاهم بحسن الصحبة وجعل المبدأ الراسخ يقودهم فى ذلك ظاهرا جليا «أمك ثم أمك ثم أمك».
أما لو افتقرت وأصابك العوز والحاجة فقد جعل لك نصيبا من زكاة الأغنياء ورغبهم فى التصدق عليك، ولو مرضت لا قدر الله فقد جعل الله زيارتك وتطييب خاطرك من خير أعمال الناس وقيد ملائكة يصلون على من زارك وعاتب من لم يزرك قائلا: «لو زرته لوجدتنى عنده» إذا عطست أوجب على الناس أن يدعو لك بالرحمة، وإذا طلبت نصحا أمر الخلق أن ينصحوا لك، وإذا مروا بك جعل حقك أن يسلموا عليك، وإذا دعوتهم لمناسبة جعل حقك عليهم أن يجيبوا دعوتك حتى البسمة التى يلقونك بها جعلها صدقة ورغبهم فيها، رغبهم أن يبتسموا فى وجهك، أما إن أطعته وصرت وليا له، فالويل الويل لمن عاداك قد آذنه الله بالحرب.. «من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب»، تأمل حرب من الله فقط لأن ذلك الشخص قد عاداك أفيجعل لك كل هذا، إلا لأنه ودود يتودد لك؟ ثم تعلم ذلك ولا يذوب قلبك حبا له وشوقا إليه؟!