بعد خمس سنوات من نسيانها، وبعد ذلك التشرذم العربى القميئ الذى ظهر فى أعقاب 2011، والذى كان موجودا فى إطار متخف قبل هذا التاريخ، وبعد تكاثر التحديات والصراعات والاحتقانات وتفشى حالة حروب المصالح المتقاطعة بين الدول العربية وبعضها البعض، وبعد تبدل البوصلات والتيقن من أننا صرنا نعيش فى حالة «توهان» حقيقى، وبعد تلك الهبة الشعبية المصرية تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل كان لابد لنا من أن نعيد التفكير فى الرجوع إلى الاهتمام بالقضية الفلسطينية لأنها الشىء الوحيد المشترك بين العرب، ولأنها أيضا الشىء الوحيد الذى كان يوحدنا وسط كل هذا الشقاق، ولأنها قضية عادلة وسط بحر التشكك فى شرعيات القضايا الأخرى التى تفرقنا بينها، وصارت عاملا أساسيا من عوامل الإضعاف والتقزيم.
لا أدعى هنا أن الرجوع إلى الاهتمام بالقضية الفلسطينية يعد عصا موسى السحرية التى ستلتهم ثعابين سحرة الغرب وصانعى المكائد والمؤامرات، لكن فى الوقت ذاته أؤكد أن المطالبة بـ«حق العودة» العربية إلى القضية الفلسطينية أصبح أمرا فى غاية الأهمية من الناحية «الوجودية» للعالم العربى، وبدونه لن تكتمل خارطة إصلاح المسار العربى على المستويين العالمى والمحلى، وبدونه أيضا سيظل التشرذم العربى قائما كما سيظل الدور المصرى «إقليميا» غائبا عن الأذهان.
يزايد تيار الإسلام السياسى على أبناء الدول المدنية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، برغم أن شعار المقاومة ابتكار قومى فى الأساس، وليس ابتكارا إسلاميا بأى حال، ذلك لأن حركات التحرر من الاحتلال الغربى كانت فى البداية «وطنية خالصة» وقومية صرفة، ويرهقنا الوضع الحالى فى نزاعات طائفية ومذهبية قاتلة، كما تتكالب الأمم علينا الآن بسبب تراخى قبضة الحكومات العربية داخليا وخارجيا، ولا أرى فى غير الرجوع إلى الاهتمام بالقضية الفلسطينية من علاج لكل هذه الآفات التى أصابتنا فى مقتل، وصرنا نستجدى «الإسعافات الأولية» للنجاة من هذه الإصابة.
سياسيا، يجب على الحكومة المصرية استثمار حالة التوحد الشعبى خلف رفض التطبيع مع إسرائيل، فقد بعث رفض التطبيع «شعبيا» رسالة مفزعة إلى إسرائيل وممن وراءها، وأبلغهم برسالة نصها «نحن لم ننس بعد» وهو الشىء الجدير بأن يشعرهم بخيبة الأمل وعدم التوازن، وهو ما ظهر واضحا فى حديث السفير الإسرائيلى مع الـ «bbc» وإننى أريد أن أسجل هنا أهمية أن ترفع مصر أولا شعار القضية الفلسطينية، وأن تقوم بدور فعال من أجل إنهاء الانقسام الفلسطينى وإجراء الانتخابات التشريعية فى الأراضى المحررة، ومن ثم العودة إلى مائدة المفاوضات مرة أخرى، كما أؤكد على أهمية إجراء تغيير تكتيكى فى سياسة مصر الخارجية، عن طريق مد يد التعاون مع كل الأطراف المعنية بالقضية، بداية من باكستان وإندونيسيا وإيران، وحتى تونس والجزائر والمغرب، فنحن جميعا ندرك أن إسرائيل أصل شرور المنطقة وأن أبلغ رد على الهجمة هو المبادرة بـ«هجمة مرتدة».
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة