لا أميل للتفكير بالمؤامرة وتفسير الأحداث من زاوية واحدة هى أن أعداء الوطن يتآمرون علينا حتى نتعثر ونفشل، لأن هذه الطريقة فى التفكير أدت إلى تبرير الاستبداد والفشل فى كل مناحى حياتنا، وإلقاء المسؤولية على شماعة خارجية هى المؤامرة، وللأسف فإن آلية التفكير هذه منتشرة ولها كتابها وجمهورها العريض.
ومؤخرًا ظهرت آلية التفكير بالمؤامرة فى تفسير تراجع الإعلام المصرى ودخوله مرحلة الفوضى واللامهنية والاستهانة بعقول وقلوب الجمهور، حيث يرى أنصار نظرية المؤامرة أن الحكومة هى المستفيدة من استمرار فوضى الإعلام!! وظهور وصلات من الردح والبذاءة وقلة الأدب بين بعض الإعلاميين والشخصيات العامة على شاشات التليفزيون، لسببين الأول: إلهاء الناس عن متابعة ما يدور فى البلد، أو التفكير فى السياسة وتقييم أداء الحكومة، فقد حول الإعلام المجال العام والأحداث السياسية إلى مسرح كبير يتصارع فيه الجميع على قضايا ومشكلات سطحية، والغريب أن اللاعبين على خشبة هذا المسرح يستخدمون جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة، من شتائم وتهديدات، مما يرفع معدلات المتابعة والمشاهدة بين قطاعات عريضة من الجمهور، ويجعلهم منشغلين دائمًا بمتابعة فصول هذه الفضائح والحديث عنها.
السبب الثانى: القضاء على مصداقية الإعلام والإعلاميين، لأن الجمهور الذى يتابع الفوضى الإعلامية ويسمع ويشاهد تهديدات نجوم الإعلام والسياسة لبعضهم، لن يثق فى خطاب الإعلام والإعلاميين ولن يصدقه، خاصة إذا تناول بالنقد أداء الحكومة، وسيتوقف الجمهور عن متابعة ما يقدمه الإعلام من برامج سياسية أو أخبار جادة، وسينصرف إلى متابعة برامج الترفيه والتسلية وربما القنوات العربية.
كلام يبدو مقنعًا ومتماسكا، لكن عندما تناقش أنصار المؤامرة الحكومية على الإعلام المصرى أو تطرح رأيًا معارضًا سيتهكمون عليك، ويؤكدون أن الحكومة هى الوحيدة القادرة على سن قوانين جديدة تُفعّل بها مواد الدستور الخاصة بتشكيل مجلس أعلى للإعلام، وهيئة للصحافة، وهيئة للإعلام المرئى والمسموع، ومع ذلك لا تتحرك وغير مهتمة، لأنها ببساطة مستفيدة من استمرار فوضى الإعلام وغياب المحاسبة المجتمعية، كما أن الحكومة تعمدت تعطيل التصريح بوجود نقابة مستقلة للعاملين فى الإعلام تنظم العمل فى مجال الإذاعة والتليفزيون وتعطى تصاريح بعمل المذيعين أو محاسبتهم وفق ميثاق الشرف الإعلامى.
ويتهم أنصار المؤامرة الحكومة أو الأجهزة الأمنية بالاستفادة من فوضى الإعلام بل وتوظيفها لصالحهم، كيف؟!، يتعجب منظرو المؤامرة من سؤالك ويجيبون بسرعة وحسم.. الدولة لا تريد إصلاح ماسبيرو والأجهزة الأمنية تتدخل فى كل كبيرة وصغيرة داخل ماسبيرو، ويمتد التدخل إلى الإعلام الخاص،.. كيف؟!، يقدم أنصار المؤامرة بعض القصص والوقائع عن إبعاد مذيعين وإيقاف برنامج هنا أو هناك، كما يتحدثون بثقة تامة عن عمل أغلب نجوم الصحافة والإعلام لدى الأمن!!، وأن الصحفى «فلان» أو مقدم البرامج الشهير «علان» أو مقدمة البرنامج «فلانة» هم «أمنجية».. ويتلقون تعليمات الأجهزة قبل أن يظهروا على الشاشة أو يكتبوا مقالاتهم!!، وعندما يختلفون على الشاشة فإن خلافهم انعكاس لصراعات بين الأجهزة!!.
وعندما تسأل وكيف عرفتم ذلك، وما هى عناصر الإثبات أو الأدلة يجيبون على الفور بنمط ثابت من الإجابات النموذجية المكررة: «دى معروفة».. «شوف وتابع مواقفه».. «أنت لم تسمع التسريب بتاع فلان»..هو فيه حد يقدر يهاجم الحكومة والرئيس بهذا الشكل إلا إذا كان واخذ ضوء أخضر». قناعتى أن أحاديث المؤامرة على الإعلام لا تستند إلى أدلة، وإنما إلى وقائع وأحداث لها أكثر من تفسير، لذلك من الأفضل أن ترد الحكومة والأجهزة الأمنية لتوضيح الحقائق، لأن التجاهل والسكوت يؤديان إلى أزمات ومشكلات مصر فى غنى عنها.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الدكتور عادل صيام
المؤامرة ليست على الاعلام المصرى بل من الاعلام المصرى الذى لا يهمه غير نسبة المشاهدة على حساب القيمة