ماذا تخفى صدمة النرويج والسعودية لنا؟.. الجمعه الماضى كنا أمام صدمتين من العيار الثقيل، لأنهما تشيران إلى مشكلة أو أزمة كبيرة تواجه الاقتصاد العالمى، لا تقف حدودها عند الدول الفقيرة أو ذات الاقتصاديات الهشة، وإنما وصلت إلى الدول المصنفة بالمستقرة اقتصادياً.
الصدمة الأولى حينما نقلت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة أن حكومة المملكة العربية السعودية طلبت من مصارف دراسة إمدادها بقرض دولى كبير قد تصل قيمته إلى نحو 10 مليارات دولار، وتأتى هذه الدعوة فى وقت تتعرض فيه ميزانية المملكة لضغوطات مالية فى أعقاب هبوط أسعار البترول الخام بنسبة 70% عن مستوياتها منتصف 2014، وهو ما دعا السعودية لأن تعلن أنها تتوقع عجزاً فى ميزانيتها لعام 2016 بمقدار 326.2 مليار ريال، ما يعادل حوالى 87 مليار دولار، وبالتأكيد هذا العجز يدفع الحكومة السعودية للسحب من احتياطياتها النقدية، والتوجه إلى إصدار سندات لتمويل العجز، وربما البدء فى عملية اقتراض داخلى.
ما قالته «رويترز» جاء بعد أيام من تقرير نشرته وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتمانى قالت فيه إن حكومات دول مجلس التعاون الخليجى اقترضت 40 مليار دولار العام الماضى، بينها 26 مليار دولار اقترضتها السعودية، أكبر الدول المصدرة للبترول فى منظمة «أوبك».
الصدمة الثانية تمثلت فيما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية بأن النرويج التى تضررت إلى حد كبير بانخفاض أسعار البترول قررت فى يناير الماضى، وللمرة الأولى، السحب من صندوقها السيادى مبالغ أكثر من الأموال التى أودعتها لإعادة التوازن لميزانيتها، وقالت إن الحكومة سحبت 6,7 مليار كورون، بما يعادل 713 مليون يورو من صندوقها الذى بلغت قيمته حتى صباح الجمعة الماضى 7090 مليار كورون «755 مليار يورو»، ونقلت الوكالة الفرنسية عن وزير الدولة للمالية بال بورنستاد قوله، إن «العائدات النفطية للدولة تراجعت بشكل كبير وللمرة الأولى منذ فترة طويلة أصبحت أقل من العجز فى ميزانية الدولة».
أقول صدمة لأن النرويج والسعودية من الدول المؤمنة مالياً أو اقتصادياً ولم يتوقع أحد أن يتأثرا سريعاً بانخفاض أسعار البترول أو بالأزمة الاقتصادية، لذلك فإن قرارهما الأخير يمثل صدمة للأوساط الاقتصادية الإقليمية والدولية، لأنه إذا نظرنا إلى السعودية على سبيل المثال فسنجد أن هذه الخطوة ليست الأولى، بعدما سجلت الرياض عجزا قياسيا فى موازنتها العامة بلغ نحو 100 مليار دولار العام الماضى، وهو ما يشير إلى أهمية وجود إستراتيجية عالمية لمواجهة أزمة اقتصادية خانقة بدأت رياحها تهب على الدول المستقرة مالياً واقتصادياً.
نعم جزء من الأزمة الاقتصادية وانخفاض حجم التجارة الدولية راجع فى الأساس إلى انخفاض أسعار البترول، لكن هذا الأمر مرتبط بلعبة سياسية حاولت من خلالها الدول الكبرى محاصرة دول بعينها، والمقصود هنا تحديداً روسيا، التى حاولت الولايات المتحدة الأمريكية خنقها اقتصادياً بالإصرار على عدم تخفيض إنتاج البترول حتى لا تعود الأسعار إلى الارتفاع مرة أخرى، وتسببت هذه السياسة فى أزمة كبيرة فى الاقتصاد الروسى، أدت إلى انخفاض رهيب فى سعر العملة الروسية «الروبل» مقارنة بالدولار.
وارتبط ذلك أيضاً بضخ عدد من الدول أموالها فى عمليات تسليح وحروب إقليمية، أدت إلى ما يمكن تسميته بالحسابات المفتوحة للإنفاق على الحروب، والمغامرات العسكرية غير المحسوبة من بعض الدول التى لم تخطط للأمر من منظور اقتصادى، بل إنها وسعت من إنفاقها العسكرى ولم تلجأ لاقتصاد الحرب لتجنب أى أزمة داخلية، وكانت النتيجة أننا وصلنا لأوضاع اقتصادية صعبة ربما تستمر لفترة ليست قصيرة، طالما أن الجبهات العسكرية ما زالت مفتوحة، كما أن الرغبة فى تركيع بعض الدول ما زالت تتحكم فى عقلية دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
بالطبع مصر ستعانى كثيراً من هذه الأزمات، فرغم تهليل البعض بأن انخفاض أسعار البترول سيقلل بالتبعية من فاتورة الدعم التى تدفعها الدولة فى الموازنة العامة للدولة كل عام، لكن هؤلاء لم يفطنوا إلى حقيقة أن الأمر أكثر تأثيراً على مصر من فكرة تخفيض فاتورة الدعم، لأن الأزمة الاقتصادية ستقلل من حجم التجارة العالمية، ومن توجيه الاستثمارات للخارج، وبالتالى فنحن متأثرون بهذه الأزمة بشكل مباشر وبشكل غير مباشر أيضاً، لذلك لا يمكن وصف ما حدث فى النرويج والسعودية إلا بأنه صدمة كبيرة لنا، لأنه يشير إلى تغيرات خطيرة فى الاقتصاد العالمى تحتاج منا ليقظة وفهم واستعداد أيضاً.