فى ذكرى وفاة العقاد هذا الشهر يوم 12 مارس، لا ينكر أحد أنه كان وما زال من أعظم فلاسفة هذا الزمان (اتفقت أو اختلفت معه)، فأفكاره وكتاباته تربى عليها أجيال من كتاب مصر العمالقة، وكان صالون العقاد أحد أبرز المنتديات الثقافية فى مصر وكان يحضره أساتذة الأدب والفلسفة فى زمانه، ولم تخل كتاباته من نقد اجتماعى وسياسى لاذع لكل من حوله حتى نفسه فى كثير من الأحيان، إلا أن علمه الغزير وفكره الفياض قد أثر على الثقافة المصرية حتى أن وصل إلى العائلة المصرية بأثرها، فكان محور المرأة والرجل من أكبر المساحات التى أفرد لها العقاد قلمه وراح يحلل العلاقات الأسرية ويعرض ما عنده فى سوق الأفكار بكل مذاهبها حتى يتبين الصالح من الفاسد لمن اتبع آراءه.
فمن وحى أفكاره نجد أن الفرق بين العائلة المصرية بالأمس واليوم شبه واحد، هو أن كلتيهما تؤدى إلينا النتيجة الاجتماعية من الزواج، وهى الأولاد . ولكنها من حيث السعادة الزوجية، وما يستتبع ذلك من المنافع الشخصية والعامة، تقدمان بين أيدينا فروقاً، هى سبب القلق الذى نحن فيه الآن، ونعمل على تلافيه .
كانت العائلة المصرية الأمس بين الرجل والمرأة شبه تام فى الجهل، شبه تام فى الحوادث وتقديرها، شبه فى فهم الأمور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
كان الرجل فى أغلب البيوت المصرية يجمع فى البيت الواحد كل هذه الوظائف وبين زوجتين أو ثلاث أو أربع، وقد يضيف إلى عددهن ممن كانوا يسمونهن خطأً (ملك اليمين) من الشابات الرقيقات، بيضاء وسوداء، ومع ذلك كانت الزوجة الأولى راضية بالعيشة، وكانت تعتبر غيرة قلبها عليه من الزوجات الأخريات أو الجوارى، إحساساً يجب أن تخفيه بمقدار ما تستطيع.
وكان يمنعها الوقار غالباً من أن تفتح قلبها بالشكوى إليه، أو إلى ذى قرابة منها، بما تجده من الألم، وكان يرضيها من الزوج أن يعدل بينها وبين غيرها، فى المعاملة والكسوة .... الخ، وكان يرضيها منه، احترامه لها وعطفه عليها وعلى أولادها، وكانت مع هذا تحبه وتحافظ على بيته، لا أدرى إذا كانت الزوجة بهذه الحالة سعيدة، ولا ما إذا كان الزوج على حال تلك الضرائر سعيداً أيضاً، ولكنى أقول إن روايات الكتاب (ومنهم الراحل الأستاذ الكبير نجيب محفوظ، والتى تعكس التراث المصرى الأصيل فى ذلك الوقت، وبعضاً منه حتى الآن) تفسر الوفاق بين الزوج وزوجته، كانت مستفيضة، وأن حوادث الخلاف بينهما كانت أقل مما يسمح به الآن، مع قلة بين زوجتين ولا أفهم سبباً لكثرة الوفاق على الجمع. تلك الحال، وقلة الوفاق فى حالتنا الراهنة، إلا أنه كان يوجد دائماً شبه بين الزوجين فى الطبقة الوسطى والعليا تقريباً، وأن الزوجين كانا متفقين فى فهم السعادة الزوجية.
أما الآن فإن الشاب الذى أتم دراسته، يتطلع إلى مشاركة الحياة مع زوجة تفهمه ويفهمها. إنه يفهم بذلك السعادة الزوجية على آخر نمط قال به الحكماء العصريون (أمثال العقاد)، وكرره من بعده مشاهير القصصيين (أمثال يوسف السباعى ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس)، وهى لا تفهم تلك السعادة إلا بمسموع ما يحل خيالها من روايات الدلالات، وعجائز الحكايات. إنه يرى الجمال فى رشاقة القوام، وتناسب الأعضاء، وخفة الظل والحركة، وطراوة الصوت، وبريق العينين، وجاذبية الحديث، وتفهم هى الجمال بمستحضرات التجميل والبياض (كما كان يصف العقاد الشاعرة مى زيادة).
كان العقاد ونجيب محفوظ وغيرهما من كتاب هذا الزمن الجميل يرون حسد الهندام وبساطة الملابس، وباهت الألوان، وتناسق بعضها مع بعض فى الخلعة الواحدة، وترى هى أن حسه الذى ينحصر فى الأطالس والجنافس، فمئزر على مئزر، وجلباب على جلباب، تحمل جسدها مالا يطيق، وتنسى ذراعيها من غير قفاز. إنهم كانوا يرون أن الزينة فى الحال الطبيعى، أو القليل المألوف من الكحل. وهى الزينة فى الكحل يصبغ فراغ الحجاج، وفى تزجيج الحواجب على غير الرسم الطبيعى، كأن الغرض ليس تسويد شعر الحواجب، ولكنه تسويد الوجه.
كل هذه هى دلائل حب الزوجة فى زوجها ورغبتها فى إرضائه وتبادل الحديث على صفاء وحسن رعاية زوجها فى المعاملة والمجاملة، ولا تفهم دلائل الحبة من جانبها إلا بكثرة الهدايا. أما الرجل فأنه يرى من الواجب عليه أن يصدقها من غير تردد فى كل ما تقول عن نفسها، وهى من جانبها لا تصدقه مطلقاً فيها يقول خصوصاً فى موضوع أنه لن يتزوج بغيرها أبداً. ولا يثبت فى نفسها أنه على ما يدعى من الوفاء لها، ولا أن الزوجية متى صفت، تقتضى البقاء إلى آخر الحياة. ويبقى عندى نفس السؤال المحير دون اجابة حتى الان ونحن فى عام 2016 , أى الوضعين أفضل لا أدرى ما كنا فيه أم أصبحنا عليه .... !
* كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة