الفساد يحول الحالمين إلى «خفافيش»
ظهر الفساد فى البر والبحر، هذه ليست مقولة عابرة، ولكنها حقيقة واقعية نشعر بها كل يوم ونلمس آثارها فى حياتنا اليومية فنعاين أحلاما تذبل، وآمالا تجهض وشرايين تتصلب وركودا يدب فى أعضاء الدولة المصرية، ثم نفاجأ بأن الوضع أصبح كارثيا، وأن الصناعة تدهورت وأن العجز فى الموازنة العامة بلغ مداه.
لم نسأل أنفسنا لماذا تحارب الدولة أبناءها بهذه الضراوة؟ ولماذا كلما حلم مواطن بسيط بتأسيس «شركة» أو إنشاء مصنع صغير يصطدم بكل هذه العراقيل التى تضعها الدولة أمامه فتجبره على اليأس أو الفساد، وكلاهما مميت؟
أعرف شبابا اجتهدوا فى أعمالهم وسعوا من أجل إقامة مشاريع صغيرة تفتح نوافذ الحلم فى عيونهم وتزرع فى المستقبل بذور الأمل والخير، لكنهم للأسف اصطدموا بالكثير من العراقيل الروتينية القميئة فبدلا من أن يحلموا بعالم سعيد أصبحوا جزءا من فساد الواقع، وبدلا من أن يستثمروا «فى الحلال» أصبحوا خفافيش تهوى العمل فى الظلمة وتحترف التخفى عن عيون الدولة، فلم يدفعوا ضرائب ولم يراعوا ضميرا ولم يبذلوا أى مجهود فى تحسين الأعمال التى يحترفونها، لأنهم حولوا مسار السعى من المسار الطبيعى إلى المسار الأعوج.
أعرف شبابا أيضا مازالوا يقبضون على الجمر، منهم واحد حاول أن ينشأ مصنعا للمواد الغذائية، حالما بأن ينافس شركات الأغذية العالمية التى تغزو أسواقنا بمنتجات تبدد ثقافتنا وتغزو مجتمعنا، لكنه للأسف أيضا اصطدم بصخرة الواقع وأذنب كل الذنب، لأنه حاول أن يعيش فى النور، فتقدم بأوراقه للحصول على ترخيص يمكنه من العمل والتوسع، ففتح بذلك على نفسه باب جهنم، وتكالب عليه الموظفون من كل الهيئات والمصالح المعنية، وكل «حملة» تأتى إليه تطلب منه رشوة معلنة وأخرى خفية، بل والأنكى من هذا أنهم بعد أن يتقاضوا الرشوة يحررون له محضرا «بسيطا» بغرامة «بسيطة»، وإن لم يدفع يهددونه بتلفيق قضية أكبر عقوبتها غرامة أضعاف ما يتقاضونه من رشوة، ناهيك عن التوعد الدائم بالحبس أو «التشميع بالشمع الأحمر».
هكذا أصبح هذا الشاب على حافة الانهيار، لا يكسب بما فيه الكفاية ليطور عمله ويحسن مساره المهنى، لأنه أصبح مجبرا على دفع «شهريات» للعديد من البلطجية الحكوميين، وبعد أن كان هذا الشاب يحلم بأن يصبح صاحب عمل أو «رجل أعمال» صغيرا، صار هو نفسه «عاملا» لأنه لم يكسب ما كان يتوقعه، كما أنه وجد نفسه مضطرا لتخفيض الرواتب والعمل بيديه توفيرا للنفقات، فهرب منه العاملون واحدا تلو الآخر لينضموا إلى طابور البطالة أو صفوف الباعة الجائلين أو أسطول العشوائية المسمى بالـ«توك توك».
آن الأوان لنسأل: لماذا تعادى الدولة أبناءها إلى هذا الحد؟ ولماذا لا تيسر على الحالمين بمستقبل أكثر رحابة بأن تساعدهم على زراعة الأمل؟ ولماذا لا تدرك أن «المشروعات الصغيرة» فى الاقتصاد، مثل الأطفال فى الأوطان، نص الحاضر وكل المستقبل، فهل تكره الدولة أبناءها؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة