هل تستعيد العمالة المصرية مكانتها؟.. بعد ساعات من نشر صحيفة «الوطن» الكويتية تقريرًا خطيرًا يكشف عن اتجاه داخل الكويت للاستعاضة عن جزء من الجالية المصرية العاملة هناك لأنها أصبحت «هامشية»، سارع السفير سالم الزمانان، سفير الكويت فى مصر، إلى نفى الخبر ووصفه بأنه «غير دقيق وعار من الصحة»، مع التأكيد على أنه لا نية داخل الحكومة الكويتية لتقليص العمالة المصرية بالكويت، مثنيا فى الوقت نفسه على ما تقدمه العمالة المصرية بالكويت من خدمات لصالح الكويت وتقدمها ونهوضها.
لكن بعيدًا عن الخبر أو النفى فإن ما استوقفنى أن الصحيفة نقلت عن تقرير حكومى يتعلق بالتركيبة السكانية ومعالجتها، أعدته وزارة شؤون التخطيط والتنمية، وهذا التقرير أشار إلى «أن العمالة المصرية بلغت 700 ألف نسمة، ومعظمها عمالة هامشية، والأمر ينطبق على جاليات أخرى، وعليه لابد من إخلاء الكويت من هذه العمالة، ومراقبة مكاتب جلب العمالة منها، حيث إنه يعيبها أكثر مخالفات الاتجار بالبشر».. هنا تكمن المشكلة، ويحتاج منا وقفة، أقصد هنا حديث التقرير أن معظم العمالة المصرية فى الكويت أصبحت «هامشية»، فالخطورة هنا، ليست فى ترحيل العمالة الزائدة أو الهامشية، لأنه فى نهاية الأمر لا يستطيع أحد إجبار دولة أو سوق على قبول عمالة ليس بحاجة لها، لكن السؤال المنطقى الآن وهو ما السبب الذى أوصل العمالة المصرية إلى هذا الحد، حد وصفها بالهامشية، والتى لا يرجى منها نفع، ومن الأفضل الاستغناء عنها لصالح عمالة أجنبية أخرى؟!
منذ عدة سنوات ونحن نستمع لقصص عن استغناء مؤسسات وهيئات خليجية عن العمالة المصرية واستبدالها بأخرى، إما آسيوية أو جنسيات عربية أخرى، فسوق العمل فى الخليج أصبح يعتمد على جنسيات أخرى غير المصرية التى تراجعت مكانتها ولم تحظ بذات الاهتمام الذى كانت تحوذه فى الماضى، فالبنغالى والهندى والباكستانى ومعهم السودانى واللبنانى والسورى هم أصحاب الاهتمام، بينما تراجع المصريون.
الأمر ليس مقصورا على الكويت فقط التى اشتكت علنًا من خلال التقرير الحكومى الأخير، فهناك دول خليجية بدأت التشدد قبل التعاقد مع العمالة المصرية، سواء للتأكد من مدى فاعليتها حتى لا تتحول إلى هامشية، أو بخفض الأجور، خاصة أن العمالة الآسيوية تحصل على أجور أقل.
كيف يمكن حل المشكلة؟.. المشكلة فى الأساس تكمن فينا وليس فى الدول المستقبلة للعمالة، فمنذ سنوات وهناك تحذيرات متكررة من تدنى مستوى العامل المصرى، وهذا مرتبط أساسًا بضعف المستوى التعليمى، وعدم وجود سياسة واضحة للتعليم الفنى، حتى نصل إلى مرحلة يكون لدينا خريجون من التعليم الفنى يتطلبهم سوق العمل، فالتعليم الفنى لدينا يسير وفق منهج «اعتباطى» لا يراعى متطلبات سوق العمل، حتى حينما قررت الحكومة منذ عامين إنشاء وزارة دولة للتعليم الفنى، لم تصمد هذه الوزارة كثيرًا، فتم إلغاؤها ودمجها مرة أخرى فى وزارة التربية والتعليم، لنعود مرة أخرى إلى النقطة صفر والمشكلة ذاتها.
نتحدث ويتحدث كثيرون عن ضرورة الاهتمام بالتعليم الفنى، لأنه هو المستقبل الذى يجب أن نفكر فيه، لكن للأسف السياسة ليست واضحة حتى الآن، وفى المقابل خسائرنا مرشحة للتزايد، فالكويت وإن أعلنت اليوم عن عدم وجود نية لديها لترحيل أى من العمالة المصرية، لكن هذا لا يعنى أنها ستستقبل كل عام أعدادًا إضافية من العمالة المصرية، هى لن نستغنى عن الموجود، لكن يقينًا لن تستقبل جددا، وإن استقبلت سيكون على قدر حاجاتها وقدرة هذه العمالة على العمل، لأن سوق العمل كبير والتنافس بين العمال ليس مقصورا على المصريين فقط، بعدما دخلت دول كثيرة على الخط.
الحل لا يجب أن نلقى باللوم على الآخرين، لكن بأن نعترف بالمشكلة ونحاول وضع الحلول لها، فالمشكلة عندنا بالأساس، ومن يعود إلى تصريحات عدد من مسؤولينا سيتأكد من ذلك، فالمسؤولون عن مشروعات قناة السويس لديهم شكوى دائمة من ضعف العمالة المصرية، ويحاولون فتح باب التدريب أمام الشباب، لكن قليلا منهم من قرر الذهاب.. التدريب هو إحدى آليات الحل لكنه يبقى مؤقت، لأن الأساس أن نفكر فى النشء، فنحن بحاجة لخطة للاهتمام بالتعليم الفنى لرفع كفاءة ومهارة العامل المصرى حتى نعيد له مكانته ويكون مقبولًا فى أسواق العمل الدولية.
ليس مهمًا وجود وزارة للتعليم الفنى، لكن الأهم وجود استراتيجية وقبلها نية.