لنا أن نسأل، ولهم أن يتجاهلوا، ولأننا لم نكف عن السؤال، لم يكفوا هم أيضا عن التجاهل: فمن ينقذنا من هذا الكابوس؟ ومن يرفع عنا غطاء العفن؟ اسأل روحك: ما الذى تسهم به مصر الآن فى المحيط العالمى، لتأتيك الإجابة بأن العالم لا يتذكر شيئا لمصر الآن سوى أنها بلد أيمن الظاهرى زعيم القاعدة ومحمد عطا قائد الضربة الجوية لبرج التجارة العالمى فى 11 سبتمبر، فقد اختصرنا أنفسنا فى الهدم والتخريب بعد أن خرجنا من التاريخ كـ«أصحاب حضارة»، وصرنا المشتبه به الأول فى كل ما يدمر العالم، ولا عذر لنا بأن هؤلاء الإرهابيين هم نتاج فكر «شاذ»، فما نمارسه نحن كل يوم دون تأنيب ضمير من تدمير وهدم وتخريب يفوق ما يحلم أى أرهابى بتحقيقه.
صور مؤلمة، نشرها موقع «اليوم السابع» لمنزل الشاعر الكبير «أحمد رامى» بعد أن تهدم معظمه وتصدعت حوائطه، وصار كخيال المآتة لا ينقصه ليسقط إلا نفخة ريح أو زخة مطر، صور تؤكد أن مصر أصبحت غير أمينة على تراثها وغير واعية بمكانتها وغير مؤهلة لأى دور منتظر، تحول المنزل العريق الذى عاش فيه شاعر مصر الرقيق إلى أكوام من التراب، نظر إلى هذه الأكوام متخيلا، عند هذا الكوم كتب رامى «على بلد المحبوب ودينى»، و«فاكر لما كنت جنبى»، وهنالك أنشد «يا ليلة العيد أنستينا»، وفى ذاك الركن قال «يا ظالمنى»، وفى المنتصف نسج «أقبل الليل»، ثم تأتى عربات نقل الرديم لتأخذ كل هذا وتلقى به فى القمامة.
هكذا نشوه تاريخا فنيا وأدبيا ومعماريا راسخا بعد أن عجزنا عن عمل أى شىء يشار إليه أو الاحتفاظ بأى شىء جدير بالتبجيل، والمؤلم أن هذا المنزل كان موضوعا فى قائمة البيوت التراثية المهمة، وأن لجان جهاز التنسيق الحضارى أوصت محافظة القاهرة بضرورة ترميمه والحفاظ عليه، وأن غالبية الصحف ناشدت الحكومة بسرعة إنقاذ هذا البيت قبل تدميره بسنوات، لكن للأسف، تاهت تلك المناشدات واستمر الأسف.
بمصر أكثر من خمسة آلاف منشأة ذات طابع معمارى متميز، وللأسف تنهار هذه المنشآت واحدة بعد الأخرى، لتختفى تلك اللمسة الجمالية المعمارية عن حياتنا تماما، ويحل محلها كل الخرسانات الخرساء التى تضغط على المرافق العامة حتى تنفجر وتسهم الاحتقان السكانى والتكدس المرورى وتضاعف من مشكلات المدن، ويأتى هذا فى ظل احتياج مصر الملح لمنشآت غرس الثقافة فى كل حى وشارع وبيت، غير أن وزارة الثقافة «الفقيرة» لا تملك ما يخولها قانونا لنزع ملكية هذه المنشآت، كما أنها لا تقدر على دفع تعويضات للملاك الأصليين، وسبق واقترحت أن يتم تعويض أصحاب هذه المنشآت بأراض فى المدن الجديدة، وأن يتم استغلال هذه المنشآت لتكون أدوات حية فى النهضة الثقافية المأمولة، لكن للأسف لم يستمع أحد لهذا الاقتراح حتى رأينا تاريخنا يطحن تحت عجلات سيارات نقل القمامة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د. أبو الحسن سلام
مين رامي؟!