العقبات التى واجهتها مصر الشهور الماضية أثرت سلبًا على الوضع الاقتصادى لدرجة أن الدولار شهد ارتفاعًا ملحوظًا فى مقابل الجنيه المصرى، وحتى محاولات البنك المركزى السيطرة من خلال حزمة إجراءات اقتصادية انتهت بارتفاع فى أغلب الأسعار والخدمات التى يحصل عليها المواطن المصرى، ومن ثم كانت مصر فى أمس الحاجة لتدخل جراحى ينقذ الاقتصاد المصرى وينعش سوق الاستثمار من جديد.
أقل ما توصف به زيارة الملك سلمان للقاهرة أنها تمثل التدخل الجراحى لإنقاذ الاقتصاد المصرى، ولكن ليس من الباب التقليدى المتمثل فى إعانات ومنح، وإنما من باب المشاريع الاقتصادية المشتركة فى كل المجالات بملايين الدولارات فى السنوات المقبلة.
التحليل الأولى للاتفاقيات الموقعة بين الطرفين المصرى والسعودى يعكس أن مستقبل العلاقات بين الدولتين ممتد فى أكثر من مجال سواء فى التعليم والصحة والثقافة والإسكان والطاقة، فضلاً عن أن تلك الاتفاقيات تقارب 3 مليارات دولار، إضافة إلى مشاريع استثمارية أخرى بواقع 36 مليار جنيه بخلاف 3 مليارات تكلفة إنشاء الجسر البرى.
إذا ما انتقلنا من ملف الاقتصاد إلى ملف السياسة، فحدث ولا حرج عن دور الزيارة فى الرد على أى شكوك عن خلافات بين القاهرة والرياض بشأن التصور السياسى للمنطقة العربية ولمناطق النزاع فيها، إضافة إلى أن البعد السياسى للزيارة أكبر رد على طهران ونظرات المجتمع الغربى من أن عقد المنطقة العربية قد انفرط من يد السعودية ومصر، غير أن إصرار الملك سلمان على أن تكون الزيارة 5 أيام وليست يوما أو اثنين، لتأكيد أيضا حبه لمصر وشعبها ورغبته فى أن تكون الزيارة حقيقية وليست بروتوكولية، ومن هنا جاء برنامج الزيارة متضمنًا زيارة لمشيخة الازهر وللبرلمان المصرى ولجامعة القاهرة ومدينة البعوث الإسلامية التى أعلن الملك أنه سيتحمل تكلفة توسعتها لكى تستوعب 40 ألف طالب.
الأهم فى الزيارة أيضا هى مفاجآتها اليومية، لأن المصادر المقربة من بعثة الملك سلمان أكدت أنه سيعلن عن وديعة سعودية جديدة فى البنك المركزى المصرى، ستحدث انفراجة فى الاقتصاد وستكون بمبلغ مالى كبير، وستسهم بشكل كبير فى استقرار أرصدة الاحتياطى النقدى الأجنبى، ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية لديها وديعة سابقة بالبنك المركزى بقيمة 2 مليار دولار، ضمن حزمة مساعدات اقتصادية تقدمت بها المملكة لمصر بعد ثورة 30 يونيو.
للتأكيد، الاحتفاء بزيارة ملك السعودية للقاهرة لم يكن فقط من الجانب المصرى والصحافة المصرية، ولكن أيضا من الجانب السعودى، فمانشيتات صحف المملكة رصدت ردود فعل إيجابية للزيارة وكثفت تغطيتها على بنود الاتفاقيات الثنائية فى المجالات المختلفة التى تم الإعلان عنها، فضلا عن أن رسامى الكاريكاتير السعوديين أبدعوا فى رسم جسر بين مصر والسعودية وكتبوا عليه «جسر سلمان»، وكتبوا على الصورة «تسلم الأيادى» فى دلالة على الاحتفاء بالخطوات الإيجابية والتعاون المشترك بين الدولتين.
أخيرًا، جزيرتا تيران وصنافير، دار بشأنهما جدل طويل فى الشارع المصرى بعد الإعلان عن اتفاقية ترسيم الحدود، وهو الأمر الذى استغلته جماعة الإخوان الإرهابية لتشويه الزيارة والتقليل من شأنها، وأعتقد أن الطرفين المصرى والسعودى سيحافظان على الحقوق التاريخيه بما لا يضر أى من الدولتين.