الانبا ارميا

"ينابيع القوة"

الأحد، 10 أبريل 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يصعُب على الإنسان أن يعبر رحلة الحياة دون اجتيازه جسورًا تمنحه القوة للاستمرار فيها؛ فكلٌّ يحتاج إلى: من يشجعه حين يتعثر، ومن يعيد إليه الثقة المفقودة عندما تصدمه خيانة، وخبرة حكيم تعلِّمه الإبحار وسط تيارات الحياة وعواصفها؛ إنها ينابيع القوة التى يستقى منها أثناء عبوره برِّية هذا العالم.
يقولون: "الدرس الذى تكرره لنا الحياة باستمرار هو اُنظر تحت قدميك، فعادةً ما يكون المصدر الحقيقى لقوتك أقرب مما تتصور"؛ لذٰلك على الإنسان ألا يبحث عن مصادر قوته بعيدًا، إذ هى أقرب إليه مما يظن أو يتوقع.
أحد مصادر قوة الإنسان يكمن فى أعماقه، فى تلك المواهب والقدرات التى وهبها له الله ـ تبارك اسمه ـ وعليه أن يستخدمها ويُنميها ويطورها فى رحلة الحياة . إن جميع الإبداعات والإنجازات تبدأ أولًا من داخل الإنسان حين يتعرض لتعثرات، أو تمر به الضيقات، فيكتشف ما لديه من قدرة على النُّهوض وركض نحو النجاح. وهٰذا هو الفارق بين الاستسلام والإصرار النابع من ثقة بعطايا الله إلى البشر.
مصدر آخر للقوة فى حياة البشر هو المبادئ والأخلاق التى يحرصون على اتّباعها فى حياتهم مهما اعترضتهم المحن والشدائد. قرأتُ عن موقف حدث فى "ألمانيا" بعد أن خسِرت الحرب العالمية الثانية بأيام: ففى إحدى مِحطات القطار الألمانية، قام أحد الرجال بمخالفة صف الانتظار، فأوقفته إحدى السيدات وقالت له: "لقد خسِرنا الحرب، ودُمرت مدننا، وفقدنا شبابنا، واغتُصبت بناتنا، ولٰكننا لم نفقد أخلاقنا؛ وبهٰذه الأخلاق سنبنى «ألمانيا» من جديد فارجع إلى مكانك"!! حقًّا، إن الطريق إلى البناء الثابت الذى لا يسقط أو ينهار هو الذى يكون إنجازه بالمبادئ والأخلاق الثابتة وصامدًا عبر الأزمان، إذ لن تنتهى يومًا أدوار: الأمانة، والعمل المخلص، والجِدية، والصدق. قد يظن بعضٌ أن الزمن لم يعُد زمن المبادئ لٰكنها أبدًا لن تسقط يومًا، إنها قانون الحياة. وفى هٰذا يقول أمير الشعراء "أحمد شوقي":
وَإِنَّمَـا الْأُمَـمُ الْأَخْـلَاقُ مَا بَقِيَــــتْ فَـإِنْ هُمُ ذَهَبَـتْ أَخْـلاقُهُمْ ذَهَبُـوا
وأيضًا يقول:
وَإِذَا أُصِيـبَ الْقَـوْمُ فِـى أَخْـلَاقِهِمْ فَأَقِـمْ عَلَيْهِـمْ مَـأْتَمــــًا وَعَـوِيــــــلًا
وهٰكذا لا تجعل عثرات الحياة وظلالها تنال من مبادئك أو تهُز من ثقتك فيها، بل دائمًا كُن على يقين أنه فى نهاية الأمر لن يصح إلا الصحيح.
أمّا أعظم مصادر القوة للإنسان فى رحلة حياته، فهو أن يكون ملتصقًا بالله ـ تبارك اسمه ـ وأن يضع كل أموره بين يديه، طالبًا إرشاده فى طريقه، سالكًا بخَطوات ثابتة فى وصاياه وتعاليمه من: محبة للجميع، وتقديم الخير والرحمة، والعمل بكل أمانة وثقة.
أخيرًا فلنُدرك أن الله هو كلى الخير والصلاح، ومحبته للبشر لا نهاية لها؛ وهٰكذا نسير فى رحلة الحياة بثقة وأمان، محتمين فى ذٰلك الحصن المنيع الذى لا يهتز.
• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسيّ





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة