لم يعد هناك فارق بين الإعلام العالمى والعالم الافتراضى
منذ فترة طويلة أراقب طريقة تعاطى مختلف وسائل الإعلام الغربية ووكالات الأنباء العالمية مع الأحداث فى مصر والحقيقة التى لا لبس فيها أن معظم وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة فى الغرب تتناول أحداث مصر وغيرها من الدول أحيانا كما يتناولها العالم الافتراضى «عالم الفيس بوك» وأقصد هنا اعتماد هذا العالم أحيانا على أقوال غير مسندة إلى مصادر بعينها وإن كان البعض يقبل بذلك فى هذا العالم الافتراضى فليس من الطبيعى أن نقبل هذا عندما نتابع وكالات وقنوات وصحف مرموقة تدعى المهنية وهذا ليس مجرد كلام مرسل بل مستند إلى وقائع بعينها.
لا أحد ينكر أن مصادر الخبر لدى القنوات والوكالات اختلفت كثيرا، فأصبح من الطبيعى أن تجد مصادر يتحدثون من حجرات مغلقة لا نعلم موقعها تحديدا يدلون ببيانات حول المعارك الدائرة فى سوريا على شاشات كبرى الشبكات الإخبارية العالمية بل وصل الأمر أحيانا وتحديدا مع بدايات المعارك فى سوريا إلى بث لقاءات لمصادر ملثمة من أماكن مجهولة يدلون بشهاداتهم!!
وتحولت المواد التى تبث على موقع اليوتيوب إلى مادة تبث عبر نشرات الأخبار دون التحقق من صحتها - ما دامت تخدم رؤية القنوات للحدث - وربما كان أشهرها الفيديو الذى تلقفته القنوات بعد نشره على مواقع التواصل «العالم الافتراضى» الذى بثته معظم قنوات الأخبار الغربية ونقلته عنها بالطبع القنوات المصرية والعربية الذى يظهر طفلا يحاول إنقاذ شقيقته الصغيرة من قصف قوات النظام السورى الذى اتضح بعد أيام من إذاعته أنه جزء من تصوير فيلم نرويجى صور فى مالطا!! وربما لم يهتم معظم من تابع هذا المقطع أو من أذاعه بالتصحيح.
وربما يكون هذا مثالا صارخا على ما وصلت إليه عدد من القنوات كانت تعد مدرسة فى عالم الإعلام ومنها على سبيل المثال البى بى سى والتى مازالت تصر على موقعها الرسمى على تسمية ما جرى فى 30 يونيو بأنه عزل الجيش المصرى للرئيس المنتخب متناسية ملايين المصريين الذين ظلوا فى شوارع مصر واجتماعات مختلف القوى السياسية آنذاك والتى ضمت تمرد والبرادعى والأحزاب والقوات المسلحة والأزهر والكنيسة وباسمهم جميعا ومن قبلهم باسم الملايين فى الشوارع صدر بيان 3 يوليو، ولكن البى بى سى مازالت تصف حتى الآن ما جرى فى مصر بأنه عزل الجيش لرئيس منتخب!
أما وكالات الأنباء فالسجل طويل وتلك بعض الأمثلة فقط، وكالة أنباء رويترز مثلا، أصبحت تنشر تقارير صحفية تستشهد فيها بمصادر مجهلة ومنها على سبيل المثال وليس الحصر ما نشرته رويترز عن تصريحات على لسان من أسمتهما «مصدرين فى النيابة العامة المصرية» ذكرا أقوالا «نقلا» عن الطبيب هشام عبد الحميد مدير مصلحة الطب الشرعى بشأن قضية مقتل ريجينى الذى رفض أصلا التعليق لرويترز! التقرير فى مجمله لم يذكر مصدرا واحدا معلوما يؤكد أو ينفى ما جاء به من أقوال!
والحقيقة يبدو أن الأمر لا يختلف كثيرا إذا تابعنا وكالة الأنباء الفرنسية والتى سارعت منذ فترة بنشر ما أسمته بيان مجلس التعاون الخليجى الذى يرفض اتهام مندوب مصر فى الجامعة العربية آنذاك لقطر بدعم الإرهاب وبعد فترة عادت لتنشر أنها مجرد تصريحات على لسان أمين المجلس ثم أعلن المصدر نفسه أنه لم يدل بأية تصريحات من الأصل، وطبعا على مدار ساعات اللبس القليلة تناقلت قنوات محددة خبر الوكالة العالمية كحقيقة ثابتة.
الأزمة الحقيقية هنا أن الأخبار صحيحة كانت أم كاذبة والمصادر وهمية كانت أم حقيقية كل شىء يتم تداوله سريعا دون التدقيق ولو للحظة سواء من الوسائل المحترفة أو من وسائل التواصل ليتساوى الجميع فى الاهتمام بأى خبر أو صورة طالما توافق رؤى من ينقلها والتشكيك فى أيه أخبار لا تتوافق مع توجهات القنوات أو الوكالات أو الأشخاص الكل تساوى لم يعد هناك فارق بين معظم وسائل الإعلام العالمية مقروءة كانت أو مرئية وبين العالم الافتراضى لوسائل التواصل الاجتماعى بل تحول هذا العالم فى أحيان كثيرة إلى مصدر للقنوات والوكالات طالما وافق الهوى.. والسؤال هنا هل تخلت وسائل الإعلام العالمية عن مهنيتها تحت وطأة إيقاع الأحداث السريع واللهاث وراء الأخبار؟! أم أن قواعد المهنية والموضوعية تطبق وفقا لما يتماشى وهوى تلك الوسائل والمؤسسات الإعلامية؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة