لا بد أن تعترف القيادة المصرية فى تقديرها للموقف السياسى الحالى، بأن حالة الغضب من «السيناريو الكابوسى» بشأن الجزيرتين لدى الناس لا تقتصر فقط على من يمكن تسميتهم بمعارضى الرئيس السيسى من الإخوان أو من النخبة المدنية، وإنما أيضا من عدد من مؤيديه الذين يثقون فى حكمه وقيادته ووطنيته، وإنما لديهم شىء من القلق والخوف، مما حدث وليس لديهم معلومات أو حقائق تقلل من انزعاجهم وقلقهم. وليس أمامهم سوى أبواق الخراب والفتنة ونعيق غربان الظلام الذين تتوهج عقولهم فى الأزمات والمصائب وفئران الجحور الذين لا تراهم ولا تسمع عنهم إلا فى الكوارث.
وكما قلت بالأمس فإن غياب الإدارة السليمة لمسألة الجزيرتين، هو ما منح الفرصة لمحترفى الفوضى والخراب لبث سمومهم وأفكارهم الهدامة وزرع الفتنة وعدم الثقة بين الشعب وقيادته. وكما قال وزير الخارجية السعودى عادل الجبير فى تصريحاته لإحدى الفضائيات المصرية، فإن هذه الاتفاقيات، بما فيها اتفاقية ترسيم أو تعيين الحدود، يتم الإعداد لها منذ 6 شهور ، بما يعنى أن هناك لجانا مشتركة اجتمعت مرات عديدة لبحث مسألة الجزر والخروج برأى مشترك. فلماذا تم ذلك بعيدا عن الرأى العام فى مصر ، خاصة إنها مسألة تتعلق بأمر من أمور السيادة وفقا للدستور، أو إرجاء الأمر حتى يكتمل انتخاب البرلمان وتعرض الاتفاقية على أعضائه بعد التمهيد للناس بأن هناك إعادة ترسيم للحدود بين البلدين حتى لا يقع خبر التوقيع مثل الصاعقة فتحدث الدوى والضجيج غير المطلوب أو المرغوب فيه فى مثل هذه الظروف السياسية الصعبة.
فماذا هو المطلوب الآن .. وليس غدا..؟
فى رأيى وقبل أن تتسع دائرة الشك والقلق والانزعاج ويتصدر «نافخو الكير» و«النفاثات فى العقد» والندابات وهواه الكيد السياسى والمعارضة السهلة واللطم على الخدود وشق الجيوب، يجب على الرئيس السيسى وقبل الاجتماع المقرر له يوم غد - الأربعاء- مع طوائف المجتمع أن يخرج بحديث مباشر للشعب المصرى مثلما كان يفعل كل شهر فى بداية حكمه، ويوضح الحقائق ويضع النقاط على الحروف حتى يعرف الناس الحقيقة. لا أتمنى أن لا ننتظر للأربعاء لشرح ملابسات التوقيع على اتفاقية تعيين الحدود واعتبار جزيرتى صنافير وتيران تابعتين للسعودية فى لمح البصر، فكل ساعة تمر يكتسب فيها أعداء مصر من الإخوان ومن الفوضويين والحمقى والجهلاء وأصحاب النوايا الخبيثة مزيدا من المتعاطفين من البسطاء.
نرجوك يا سيادة الرئيس أن تخاطب الناس مباشرة وأن تشرح لهم ماذا حدث..؟ وهل مازال هناك مجال لتأجيل الاتفاقية لوقت آخر وفى ظروف سياسية أخرى..؟
فالعلاقات الآن بين مصر والسعودية وبينك وبين الملك سلمان تسمح بتجاوز هذه القضية وبتأجيل هذا الملف، حتى يتم النقاش حوله والتوافق عليه من خلال لجان فنية ونقاشات سياسية كافية وعرضه على البرلمان احتراما للدستور الذى وافقنا عليه.
العلاقات بين القاهرة والرياض تجاوزت خلال الفترة القليلة الماضية ملفات أصعب من ملف الجزر وعبرتها إلى بر الأمان وأثبتت أنها أقوى من أى اختلافات فى وجهات النظر فى الملفات الإقليمية، بالتالى فتجاوز ملف الجزر ولو مؤقتا الآن ليس بالأمر الصعب على الدولتين الشقيقتين. وهذا أمر ليس بصعب أو ببعيد على القاهرة والرياض ولا على السيسى وسلمان.