هل نفعل كما فعل الإعلام الفرنسى؟.. تحت شعار «باسم حرية الصحافة» قررت وسائل إعلام فرنسية مقاطعة أخبار زيارة رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس إلى الجزائر التى بدأت السبت الماضى، ولقائه مع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، والسبب أن السلطات الجزائرية رفضت منح تأشيرتى دخول لصحفيين من صحيفة لوموند وقناة «كنال +» على خلفية مقالات وتقارير حول فضيحة «وثائق بنما» وصحة الرئيس الجزائرى، وسائل الإعلام التى قاطعت أخبار الزيارة هى «لوموند» و«كنال +» والإذاعتان العامتان «فرانس كولتور» و«فرانس إنتر»، وكذلك صحيفتا ليبراسيون ولوفيجارو، كما قررت قناة فرانس2 العامة أيضًا عدم إرسال صحفيين لتغطية الزيارة، وهو ما فعلته أيضًا قناة «تى فى 1»، وهو ما يؤكد أن القرار لم يكن مقصورًا على الصحيفة والقناة اللتين رفضت الجزائر منح مراسليهما تأشيرة الدخول، وإنما شمل عددا كبيرا من الصحف والقنوات التليفزيونية والإذاعية بما فيها وسائل إعلام عامة وليست خاصة، وهو ما يضعنا أمام تصرف يعد هو الأول من نوعه فى بلد كبير مثل فرنسا.
هذا التصرف بعيدًا عن أن الجزائر هى طرف فى الأزمة، يؤسس لقاعدة عامة مهمة تحدد العلاقة بين الدول بشكل عام والإعلام، يسودها الاحترام المبتادل، فمن يحترم الإعلام فسيحظى باحترام كل العاملين فى المجال الإعلامى، بينما من يحاول أن يجور عليه فلن يلقى إلا ما لا يعجبه، وليس هذا من قبيل التكبر الإعلامى، لكن لأن الإعلام هو الوسيلة التى تصل بها الحكومات والأنظمة إلى الشعوب، ولكى تقوم وسائل الإعلام المختلفة بهذه المهمة فعلى الجميع أن يوفر لهم كل الإمكانيات التى تؤهلهم لذلك، لا أن تفرض عليهم قيودا أو تتحول الدول إلى أوصياء على الإعلام.
فى الحالة الأخيرة حاولت فرنسا عبر رئيس وزرائها أن تقلل من موقف الإعلام المقاطع لزيارته للجزائر، وقال أحاديث تنم عن عدم إدراك لخطورة الموقف، على شاكلة أن «العلاقة الاستراتيجية بين فرنسا والجزائر يجب ألا يخرجها أى شىء عن مسارها»، وأنه لم يفكر إطلاقًا فى إلغاء زيارته الرسمية للجزائر، مؤكدًا: «نحن هنا لأن الصداقة بين الجزائر وفرنسا تتخطى المشاكل الصغيرة».. هذه هى تصريحات رئيس الحكومة الفرنسية الذى لا يبدو أنه مدرك لخطورة ما يقوله وتجاهله للأزمة التى خلفتها واقعة رفض الجزائر منح تأشيرتها لعدد من الإعلاميين، فما قاله فالس يعبر عن الخط الذى تسير عليه غالبية الحكومات والأنظمة، لا فرق بين المتقدمة منها ودول العالم الثالث أو الدول النامية، وهو خط لا يحترم الإعلام، هم يقولون شعارات لكن ليس لها وجود على الأرض.
وقائع رفض الدول منح تأشيرات دخول أراضيها للإعلاميين كثيرة، وكلها تندرج تحت بند واحد، وهو سيادة الدولة فى تحديد من يدخل ومن لا يدخل، وإن كانت مرتبطة فى مجملها بموقف هذه الدول من صحفيين كتبوا تقارير صحفية أو تحقيقات اعتبرتها هذه الدول خروجًا عن المألوف، وتحول الصحفى فى نظر هذه الدول إلى شخصية مارقة مستحل دمه فى بعض الدول التى تحكمها أنظمة قمعية.
وفى حالات أخرى تجاوزت دول القواعد الدولية ورفضت منح تأشيرات الدخول لصحفيين لتغطية فعاليات دولية غير مرتبطة بالدولة ذاتها، ومنها على سبيل المثال ما فعلته إثيوبيا مؤخرًا حينما رفضت منح تأشيرات الدخول لعدد كبير من الصحفيين المصريين لتغطية القمة الأفريقية بالاتحاد الأفريقى التى تستضيف أديس أبابا مقره الرئيسى، وبررت إثيوبيا موقفها بالرفض الأمنى، رغم أن غالبية من تم رفض منحهم التأشيرة سبق أن سافروا لأديس أبابا عدة مرات، لكن للأسف مرت واقعة إثيوبيا علينا مرور الكرام ولم نستطع فعل ما فعله الزملاء فى فرنسا، ولم تتحرك أجهزة الدولة الرسمية للاعتراض على الموقف الإثيوبى ولا نقابة الصحفيين، فالصمت كان هو الرد الوحيد على ما فعلته إثيوبيا، مما شجعها على تكرار هذا الأمر مستقبلاً.
خلاصة القول أن ما فعله الإعلام الفرنسى يجب أن يكون قاعدة يسير عليها الإعلاميون فى العالم كله، وألا تحول الإعلام إلى أداة فى طوع كل الأنظمة تحركها كما تشاء.