لم يذكر الدّين كفارق للمقارنة بين أي نظام اقتصادي اشتراكي كان أم رأسمالي ، فما الفارق الدّيني إذاً ؟ الحق أنه لو كان المقصود المقارنة بين الاشتراكية والرأسمالية عموماً ، لا الاشتراكية عندها مذهب محدد , فالدّين لا يلعب دوراً هاماً في هذه المقارنة ، وذلك لأن بعض الدول القليلة التي ما زالت تطبق النظام الاشتراكي فإنها لا تهتم بذكر الدين ، لأن هذه مسألة خاصة بكل فرد ولا تميز النظام الاقتصادي المطبق حتى وان ذهبنا الى النظام الرأسمالي نفسه ، وإن كان بعض الرأسمالين يؤمنون بالدّين ، لكن نظامهم منذ أن أقاموه ( في كتاب أدم سميث ثروة الأمم) لم يكن في ذهنهم يوضح أن الاشتراكية ضد الدّين ، وأن نظامهم مع الدّين ، لكن لو كان السؤال يتعلق بالمقارنة بين الاشتراكية و الرأسمالية والتطبيق "الوسطي" في مصر ‘ فإن الوضع يختلف عن الحديث سابق الذكر.
فمن المؤكد أن جزء كبير من "الفلسفة الاشتراكية الماركسية" تنكر الدّين شكلا و موضوعا ، بمعنى أن ماركس كان يتصور أن العالم تحركه قوى داخلية أي يحركه التطور المنبثق من الانسان والطبيعة ، والذي يحدث في وسائل الانتاج أن الآلة تتغير والآلة تكبر والتقدم العلمى من صنع البشر وحدهم ، وتطور الانسانية يأتي من الداخل وليس من الخارج ، بمعنى أنه كان ينكر وجود القوى الالهية الخارجية للمولى عز وجل ( خالق الأرض والسماء) ، أي أن العالم يتطور داخلياً عنده . فخلاصة القول أن "الماركسية" لا تؤمن بوجود الأديان وعلية لا للدين علاقة بكل العلوم و منها علم الاقتصاد ونظرياتة.
أما نحن في مصر فمن المؤكد أننا قد نكون أكثر شعوب الأرض إيمانا ً بالدّين ، فالمعتقدات عندنا قوية سواءً كنا مسلمين أو مسيحيين ونحرص بشدة على القيم الدينية الوسطية في هذا البلد ، وهذا الحرص قد لوّن شكل نظامنا الاقتصادي دائماً إلى الاتجاه الوسطي المعتدل بين النظام الفردي الحر المسئول والنظام الجماعي المحقق للعدل الاجتماعي ، بمعنى إحداث مزج بين مزايا الرأسمالية المنضبطة والاشتراكية المؤمنة بحق الفرد والجماعة , ووجود القوى الالهية الخارجية المتحكمة في تطور العالم مع العنصر البشري الخلاّق. وقد انعكس هذا على القيم الخلقية عندنا . ويتضح هذا أيضاً في عدم سفك الدماء في ثوراتنا الكبرى (على مدار التاريخ الحديث) كما أن النزعة الدينية عندنا تنصرف للإيمان بالعدل وبالمساواة ، هي نزعة في حقيقتها وسطية معتدلة كما ذكرنا ، وذلك لأن المسلمين الأوائل لم يعرفوا كلمة "اشتراكية أو رأسمالية" لأنها نظريات وتطبيقات لاحقة على الأديان ، ولكنهم كانوا يعرفون قيماً معينة خلاصتها العدل والمساوة ، وهذه هي القيم التي نحرص عليها في مصرنا الجديدة من بعد ثوتي 2011 – 2013.
فحينما نحرص على إقامة المساواة وعلى إقامة العدل الاجتماعي و الكرامة الانسانية ، فإنما نحرص على قيم تحرص عليها كل الأديان السماوية ، وإني لم أذكر كلمة "الدّين" ، لكن ذكرت التطبيق الوسطي لنظام اقتصاد والقائم بالفعل في كثير من دول العالم ومنها فرنسا. ولعل هذا التطبيق يختلف في الواقع وينبعث من الامكانيات الموجودة هنا وهناك.
وان كنت أقصد بالقيم ، القيم الدّينية أساساً لأن الدّين في مصر وكما قدمت من قبل ، هو الذي شكّل كل القيم ، القيم الاجتماعية والقيم الانسانية وحتى السياسية منها والاقتصادية . حقاً أن هناك قيماً أخرى قد تأتي من غير الدّين ولكن تظل أهم القيم التي يؤمن بها الشعب المصري موجودة ومنبثقة من الايمان بالله تعالى ، وسوف تظل أيضاً تفرض نفسها في تكوين أي نظام اقتصادي في وطننا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد حما د
العدل أساس الملك