بصفة شخصية أشتاق إليه، إلى صوته القادم عبر التليفون: أنت مين فيهم؟ فأرد أنا أطول واحد فيهم، ليتهلل صوته ضاحكا ويغرقنى فى سيل من الإفيهات والنكات، سائلا عن الأحوال والأفعال والـ«ورثة» ومتحدثا عما أعجبه فى الدنيا وما لم يعجبه، وعن مشاريعه القادمة وتطلعاته المستقبلية، أشتاق إلى جلسات انطلاق الروح والمشى بين الزرع الأشجار فى الإسماعيلية، إلى ابن طين الأرض مبتهجا بالأرض، على الجلوس على مائدة الخال العامرة بالمحبة، والحديث عن الحياة باتساعها وتنوعها، عن الأمل والحياة والحب، وعن الوطن، «الصعاب والكرب» عن العمال والفلاحين والشقيانين، عن الدين والصافيين.
أشتاق إلى عبدالرحمن الأبنودى «الشاعر الحق» الذى يجرى الشعر فيه كما تجرى الدماء، ويسخر نفسه لخدمة شعره، ليعيش عبدالرحمن الإنسان فى خدمة عبدالرحمن الشاعر، أشتاق إليه، وإلى يقينه الدائم بأن مصر ستزيح الغمة، وستنهض من كبوتها، وسيتولى أمرها خيارها، وسيكبر أطفالها فى أحضانها، أحضان أم حنون، لا تفرق بين أحد من أبنائها، ولا تجرح أبناءها كل يوم بجرح مختلف، فتصير أجسادنا مصفاة من الطعون، وتصير لأيامنا علامات على ظهورنا الدامية.
أشتاق إليك يا خال، لتحكى لنا قصة «على الزيبق» وتقول «حكموكى ما حكموكى برضه المصرى مصرى والمملوك مملوكى» أشتاق إلى أن تحكى لنا حكاية عبدالله النديم وتقول «الأعيان خانوكى.. سارقين طين أبوكى...لعدوِّك باعوكى.. ولإيد الزمن.. باعوكى وشافوكى.. وهمّ بيدبحوكى.. وضحكوا وفاتوكى.. وقبضوا التمن» أشتاق إلى أن تحكى لنا حكاية أبوالعلاء البشرى وتقول «متمنعوش الصادقين من صدقهم.. ولا تحرموش العاشقين من عشقهم» أشتاق إلى صوتك يأتينا بلون الأرض ورائحة الزهر ونصاعة الثمار فيقول للخائن يا خائن، ويقول للفاسد يا فاسد، ويقول للطيب يا «خال».
مشتاقين يا خال، إلى «الصوت ساعة ما يحبو الدنيا سكوت» إلى حلاوة «طعم الزاد القليل» إلى «الدرويش ومسبحته وتوب الخيش» إلى العمة يامنة الساكنة فى عمق وعى مصر كأبلغ ما يكون عن المرأة المصرية الصابرة المحتسبة القوية، إلى النهار الذى وعدت بلدنا به وقلت لنا إنها «بتحب موال النهار» إلى أحمد سماعين وحراجى القط وفاطمة قنديل وفاطمة أحمد عبدالغفار، إلى السيرة الهلالية، والسيرة المصرية، والسيرة الطيبة، إلى من كان يضع شعره فوق الجميع فوضعه شعره فوق الجميع، إلى الصادح أبدا والواضح دوما، إلى من كان يحب بكل عنفوانه، ويدافع عن حبه بكل ما يمكنه من سبل، عام مر يا خال، وأنت هناك ونحن هنا، عام مر وتغيرت الأحوال وتبدلت الأشكال، وما أحوجنا إليك الآن لتقرأ الوشوش بحثا عن الإنسان، وتخلع الأقنعة عن الزائفيين والمزيفين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة