1 - نعم، الرجوع للشعب فضيلة فى اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، الآن وفورا وليس بعد ساعات، لأن كل ساعة تمر مع استمرار احتقان الأوضاع فى مصر، لن يجد النظام وراءه ذلك الظهير الشعبى الكاسح، ولن تستطيع قوة فى الأرض أن تمنع الانحدار نحو المجهول الذى رأيناه وخبرناه بدل المرة مرتين فى 25 يناير وفى 30 يونيو، ونزفنا فى الثورتين كثيرا من الدماء ومن الاستقرار والاقتصاد، ومازالت جراحنا مفتوحة والمرارة فى أفواهنا، لأن كل ثورة هى نصف نصر ونصف هزيمة.
2 - لأول مرة منذ أطل علينا السيسى بطلا شعبيا تلتف حوله الأمة، ومنقذا يقسم بحياته على تحرير مصر من مختطفيها الإخوان الخونة وعملاء المشروع الصهيونى، يأتى من يهتف ضده فى وسط القاهرة: ارحل، لمن؟ للبطل الشعبى الذى لم يجمع المصريون على مثله منذ وفاة جمال عبدالناصر، وهو هتاف لو تعلمون خطير فى دلالته ورمزيته وتعبيره عن غليان يمور فى طبقات المجتمع كبركان يهدد بالدخان، إن انتظروا انفجارى وخذوا حذركم. إياكم أن يبادر المطبلون والمبرراتية بأن التجمعات التى أطلقت هذا الهتاف إخوانية، أو أن يحسبها أحد حسابيا بالورقة والقلم ويحصى عدد الأفراد المتجمعين فى شوارع وسط البلد وأمام نقابة الصحفيين، لا يمكن أن تستندوا إلى مغالطة أنفسكم إلا لو كانت حكمة الخالق جل وعلا قضت بأن تعمى أبصاركم عما يتضح جليا لمن يرى غدا وبعد غد، طوائف وتجمعات قليلة من كل فئات وطبقات الشعب تتبادل رفض اتفاقية ترسيم الحدود والتنازل عن جزيرتى تيران وصنافير، كما تتبادل التبرؤ من العار والمبادرة إلى غسله ولو بالدم، ولو بالاستشهاد، وهذا معناه عند من نور الله بصائرهم، أن نقاط الرفض المتناثرة والقليلة هذه، لابد ستتسع وتتصل فيما بينها لتصنع دائرة من الثورة الرافضة للتنازل عن الأرض، وهى قضية أكثر من عادلة لشعب قلق مازال يرى خلاصه فى المخاض الثورى.
3 - الجمعة الأولى التى خرج فيها المصريون لإعلان رفضهم التنازل عن الجزيرتين أسموها جمعة الأرض، وعاد للأذهان هتاف «ارحل»، كما ركب الموجة بانتهازية معهودة فلول جماعة الإخوان الإرهابية بشعارات رابعة والمزايدة بدور مرسى الذى لم يتنازل عن أرض وهو المتهم بالتخابر والعمالة وتسريب أسرار بلده للخارج، كما ركب الموجة كلاب السكك الموجهين من منصات أنقرة والدوحة ولندن ليلقوا المزيد من البنزين على النار المشتعلة، فهل من الحكمة أن ننتظر على الحرائق الصغيرة المتناثرة أن تلتقى فى جحيم يمزق المجتمع ويصعب احتواؤه بعد جمعة العزة وجمعة الغضب وجمعة النضال وجمعة الرحيل؟!
4 - يا سيادة الرئيس، ليس بعد قرار الشعب قرار، وليس بعد اختياره اختيار، إما أن تبادر بتجميد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وعلى الأشقاء أن يتفهموا، أو أن يبادر البرلمان برفض التصديق على الاتفاقية، وبذلك تصبح كأن لم تكن، «ويا دار ما دخلك شر».
أى كلام آخر معناه اشتعال البلد، وضياع كل ما تم بناؤه وترميمه خلال السنتين الماضيتين، أى كلام آخر معناه الوقوف فى وجه الشعب وأنت أكثر من يدرك ما يعنيه الوقوف فى وجه المصريين، وأنت أول من رفض العناد ونادى بالانصياع لإرادة الشعب. يا سيادة الرئيس، الشعب معك فى كل قرار اتخذته إلا فى موضوع الجزيرتين، الشعب وراءك فى كل مشروع دشنته وفى كل اتفاقية اقتصادية أبرمتها لتغيير أحوال البلاد للأفضل، لكنها كلها كأن لم تكن مادامت اتفاقية الجزيرتين سارية، لن ينفع الصمت والتجاهل، لأن الرفض الشعبى يكبر مثل النار فى الحطب، ولن ينفع التبريد وتجاهل الموضوع فى وسائل الإعلام، لأن القضية فى القلوب والأذهان، كما أننا فى عصر السماوات المفتوحة وثورة الاتصالات.
هل يتراجع الرئيس الآن والمخارج كثيرة، أرجو أن يحدث ذلك قبل فوات الأوان وانسداد طرق الرجوع.