كتبت أمس عن الإسكندرية المدينة الحزينة التى تفقد بهاءها وجمالها فى الفترة الأخيرة وتنزف روحها على شاطئ البحر ونحن نشاهد فقط، وقلنا بأن السبب راجع لرؤية المسؤولين القاصرة التى تقوم على تصدير المشكلات، لكن هناك جانبا آخر خطيرا جدا يكمن فى تراجع المستوى الجمالى بوجه عام فى كل شىء بحياتنا، حتى إن كل مدن وقرى مصر تراجعت فيها رؤيتها للإبداع، وأصبحت (العملية والنفعية) هى الروح المسيطرة على كل شىء، ففى الصعيد مثلا تناقصت الأرض الزراعية بشكل كبير جدا، وبالتالى تناقص معها بجانب الإنتاج الزراعى المساحة المتاحة لإحداث راحة نفسية، وأصبحت البلدات الصغيرة التى كانت عبارة عن مجموعة من البيوت القليلة ومساحات ممتدة من الخضرة عكس ذلك، صارت بيوتا صماء مشوهة واختفت المساحات الزراعية تماما وبالتالى تغير كل شىء للأسوأ.
على المستوى الأخطر، الأمر ليس مجرد مبنى وأرض وحديقة وحقل تم الانقضاض عليها وإلغاؤها وتشويهها، إنه يتجاوز ذلك ويصبح جريمة مكتملة الأركان فى حق الإنسان المصرى فى مدنه الكبيرة وقراه الصغيرة، فهذا الخلل المكانى الذى أصاب كل شىء محيط بنا صنع حلقة من التردى والجفاف داخل الأرواح وكأنه انتحار جماعى نسعى إليه بوعى كامل، وذات يوم سنستيقظ لنجد أننا نعيش فى مصر غير التى كنا نعرفها، إننا بكل قوانا العقلية نتجه ناحية تقليد البلاد الصحراوية التى ينقصها الماء لذا يستبدلون الجمال بأشياء أخرى نحن لا نملكها.
وخطورة هذا التشويه تشمل مستويات عدة، منها الرؤية البصرية فالقبح ليس له أبعاد متعددة، إنه إطار واحد يجمع أشياء تعطى نفس النتيجة على عكس الجمال الذى يتميز بتعدده وتنوعه، مما يؤثر على الحالة النفسية للإنسان الذى سيصاب بكل الأمراض النفسية فى هذا العالم وسيصاب بالخوف من الأشياء وبالرؤية الضيقة للأشياء، وبالتفكير فى المساحات القليلة المتاحة، كذلك هناك الجانب الخيالى الذى سينتهى تماما لأن غياب الجمال يحد من وجود التخيل ويجعل الأفكار بأجنحة مقصوصة لا تسعى للطيران ولا تفكر إلا فى المتاح من الأشياء ولا تخطط لتجاوز الواقع وصناعة مستقبل أفضل ولا حتى تحسين المفروض علينا، أما أخطر المستويات المتأثرة بانتشار القبح فهو غياب القدرة على الإنتاج لأن رؤية القبح ستؤثر على مستوى الإنتاج بشكل مباشر فلن يكون لدينا مستوى نفسى جيد نسعى لنصنعه وستصبح الأشياء متشابهة وبشكل غبى.
كما أن غياب الجمال سيفرض رؤية تشاؤمية لا تفكر سوى فى النهايات ويصبح الحديث عن نهاية العالم وتدميره وانتظار الحرب الأخيرة التى تضع حدا لكل شىء، لذا علينا أن ننتبه لذلك، وأن نعرف أن الأمر ليس مجرد فساد أمكنة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة