هل ينقلب الجيش التركى على أردوغان؟
الشكوك هى مصدر الحياة لرئيس تركيا رجب طيب أردوغان، فهو لا يثق فى أحد، حتى أقرب الناس إليه، لا يثق إلا فى عدد قليل جدًا ربما لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، ودائمًا ما ينظر لمن حوله عل أنهم سيغدرون به فى أقرب فرصة، فالانقلاب عليه وخلعه من السلطة هو الهاجس الذى يسيطر عليه، حتى بعدما حاول تقليم أظافر الجيش التركى بتعديلات دستورية وقانونية أبعدت الجيش عن السياسة التركية.
ترويض أردوغان للجيش التركى لم يطمئنه، فالجيش هو الهاجس الذى يقلق منامه، ويجعله غير مطمئن وهو مسافر خارج أنقرة، يخشى ألا يعود مرة أخرى، ففى كل سفرياته الخارجية يتخذ أردوغان الكثير من الإجراءات التى تحميه من عزله وهو فى الخارج، فهو يعلم أن شعبيته فى تناقص، بل إنها وصلت مؤخرًا إلى درجة متدنية، أصابته بقلق شديد، وزادت من مخاوفه من العزل، فكان البديل زيادة ضغوطه على قيادات الجيش التركى حتى يدينوا له بالولاء، ويحبطوا أى محاولة للإطاحة به من رئاسة تركيا، خاصة أن تحرك الجيش ضد أردوغان سيقابل بترحيب شعبى وحزبى أيضًا، فحزب العدالة والتنمية الذى يترأسه أردوغان ضاق من تصرفاته، خاصة فى السياسة الخارجية التى جلبت على تركيا أعداء جددًا، وفتحت الساحة التركية لتصفية الحسابات الإقليمية، وأعطت الجماعات الإرهابية متنفسًا للعمل داخل تركيا، بل إن هذه الجماعات بدأت تنقلب على أردوغان، وتنفذ عمليات إرهابية ضد الأتراك أنفسهم، أردوغان الذى يزور الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة فى قمة واشنطن للأمان النووى يبدو أنه وصل ليقين بأن الجيش يرتب شيئًا ضده، وهو ما يمكن أن نفسر به البيان النادر والغريب الذى صدر عن هيئة أركان الجيش التركى الخميس الماضى، والذى تم نشره على الموقع الإلكترونى للهيئة، فالبيان نفى نية الجيش التركى بشكل قاطع تنفيذ انقلاب للإطاحة بأردوغان المتهم بـ«الاستبداد بالسلطة»، وقالت هيئة الأركان فى البيان: «إن الانضباط، والطاعة غير المشروطة، وخط قيادى واحد هى أساس القوات المسلحة التركية، ولا يمكن الحديث عن خطوة غير شرعية تأتى من خارج هيكلية القيادة أو تعرضها إلى الخطر».
هذا البيان النادر يؤكد الهواجس التى تسيطر على أردوغان، والتى دعته لمطالبة الجيش بإصدار هذا البيان الذى تزامن صدوره مع وجود رئيس تركيا فى واشنطن، خاصة أن البيان قال إنه سيتخذ خطوات قضائية ضد أى جهة تصدر معلومات «غير صحيحة»، دون أن يحدد مصدر هذه المعلومات التى دفعته للتصدى للرأى العام بهذا البيان، وإن كانت بعض وكالات الأنباء قد أشارت بشكل مقتضب لمقال نشره الباحث الأمريكى والمسؤول السابق فى وزارة الدفاع الأمريكية مايكل روبن، فى مجلة «نيوزويك» بعنوان «هل سيكون هناك انقلاب ضد أردوغان فى تركيا؟»، واعتبرت المقال هو المقصود من بيان هيئة الأركان التركية، لكن ليس مؤكدًا حتى الآن وجود صلة بين البيان والمقال.
لماذا يخشى أردوغان من الجيش؟
تاريخيًا يعتبر الجيش التركى قوة كبرى فى السياسة التركية، بل وقادر على الإطاحة بالحكومات التى تضر بالمبادئ العلمانية للجمهورية الحديثة التى أنشأها مصطفى كمال أتاتورك، وسبق أن نفذ انقلابات أعوام 1960 و1971 و1980، وأخرج من السلطة حكومة موالية للإسلاميين يقودها نجم الدين أربكان، المرشد السياسى لأردوغان، لكن أردوغان تعلم من الدروس السابقة، وبدأ منذ أن وصل للسلطة رئيسًا للحكومة التركية فى 2003 فى تحديد سلطات وصلاحيات جنرالات الجيش التركى من خلال تعديلات قانونية وقضائية أبعدت الجيش عن مهمته الأساسية فى حماية الداخل التركى، ورغم ما فعله أردوغان، فإنه ما زال يخشى الجيش، فهو لم يضمن ولاءهم بنسبة 100%، وربما بنسبة 10%، فالجيش التركى رغم تقليم صلاحياته، فإنه مازال خارجًا عن سلطة أردوغان وكل أعضاء حزب العدالة والتنمية، فبجانب خوف أردوغان من المعارضة التركية، الممثلة فى جماعة فتح الله كولن، التى يعتبرها أردوغان عدوه الأول، وبدأ فى ملاحقتهم قضائيًا وأمنيًا بتهم الإرهاب والتخطيط للانقلاب، ما زال الجيش هو مصدر القلق الأول والأخير لرئيس تركيا، فالمعارضة المدنية يستطيع التعامل معها، لكن القوات المسلحة تستطيع طرده فى أى وقت.