هل تتذكر وزارة الثقافة، بصفتها ممثلة الدولة فى صناعة الإبداع، أحد أهم وأخطر أدوارها، وهو اكتشاف المبدعين والموهوبين فى أرض مصر؟، وهل يشغل شباب مصر، خاصة فى المناطق المتطرفة والحدودية والمنسية فى القرى والنجوع، والممتلئون بثقافتهم الخاصة، حيزًا حقيقيًا فى الأجندة الثقافية لهذه الوزارة؟، وهل تملك مؤسسات هذه الدولة العناصر اللازمة لاكتشاف شباب المبدعين فى الفنون،
وتحفيزهم والنشر لهم وتقديمهم فى الندوات؟، لو كان ذلك صحيحًا ويحدث، فلماذا كلما سألنا عن مبدعى إحدى المحافظات تم تقديم كبار السن، ومن هم فى منتصف العمر، ولم يظهر الشباب إلا على استحياء؟
هناك مشكلات كبرى تعوق قيام وزارة الثقافة بدورها الواجب عليها، ومن ذلك المسابقات التى تقيمها للشباب، سواء المسابقات المركزية أو الإقليمية، هذه المسابقات فى حاجة إلى تعديل كبير جدًا، وأول الأشياء التى تحتاج إلى تعديل هو الدعم المالى المتمثل فى قيمة الجائزة المالية، فلم يعد من اللائق أن تكون جائزة الدولة التشجيعية مثلًا بـ50 ألف جنيه، بينما يكون الأول فى المسابقة المركزية التى تنظمها الهيئة العامة لقصور الثقافة ثلاثة أو أربعة آلاف جنيه، وجائزة المجلس الأعلى للثقافة ثلاثة آلاف جنيه للفائز بالمركز الأول، فهذا تشجيع مادى قليل جدًا، ويحتاج إلى إعادة نظر، خاصة أن الجوائز العربية بعائدها الكبير جدًا أصبحت تمثل حلمًا يسعى إليه كثير من المبدعين فى الفترة الأخيرة، لكن خطورة الجوائز العربية، خاصة فى مجال الشعر، أنها تدفع المبدع إلى إنتاج نص يشبهها هى ولا يشبه كاتبه، وهو أمر غير جيد.
وهناك جانب آخر لا يقل خطورة فى تراجع دور وزارة الثقافة وتواصلها مع الأجيال المبدعة، يتمثل فى أنه غالبًا ما يكون المسيطر على قصور الثقافة وبيوت الأدب فى الأقاليم فريقًا له اتجاه واحد فى الإبداع، ولا يتقبل شكلًا آخر، أو تطورًا ما مختلفًا معه فى هذه العملية الإبداعية، لذا يبعده ويقصيه، وبالتالى فإن جيلًا كاملًا من الشباب لا يجد متنفسًا له، وتتم محاربته بشكل علنى، وكثير من هؤلاء المبدعين يلجأون إلى الكتابة على صفحات الإنترنت، لكنهم هذه المرة يخضعون لذوق هذه الصفحات التى لا يتجاوز معناها مفهوم التواصل الاجتماعى، فيضطرون للتنازل عن كثير من الفنيات لصالح التواصل وصناعة جمهور، وهذا أمر غير جيد.
وهناك أسباب أخرى كثيرة تؤدى فى النهاية إلى أن تخسر المؤسسات الثقافية جانبًا مهمًا من دورها، وتحدث هوة عميقة بينها وبين المثقفين، لا يعلم إلا الله نتائجها.