سأل أحد الشباب المرحوم الشيخ محمد الغزالى عن حكم تارك الصلاة فأجابه بقوله: «حكم تارك الصلاة أن تقنعه بالصلاة وتأخذه معك إلى المسجد». وبهذه الإجابة العبقرية لخص له الغزالى ما ينبغى عمله مع تارك الصلاة وهو أهم من الحكم عليه هل يكفر بذلك أم لا يكفر؟ وهل هو كفر أكبر أم أصغر؟ وهل يقاطعه أو لا يقاطعه؟ إلى هذه التفاصيل التى تهتم بالحكم النظرى دون إرشاد للشاب على ما ينبغى عمله واقعيا.
إن أكثر الشباب المتدين صالح وطيب يحب ربه ودينه ويواظب على الصلاة ويحب الخير ويذكر الله كثيرا ولكن مشكلته الأساسية تتمثل فى فكره وطريقة تعامله مع النصوص فهو يهمل عادة النظر فى العلة من الأحكام الشرعية.
والنظر والتأمل فى علل الأحكام مهم جدا لتطوير الفكر الإسلامى فالحكم مع العلة ووجوب قراءة الواقع التى تعمل فيها النصوص فالنصوص لا تحمل على ظاهرها دون النظر والتأمل الدقيق فى علة الحكم ودورانه مع علته وجودا وعدما ودون النظر لمقاصد الشريعة الكلية.
ولذا تجد بعض الشباب المتدين حينما يتعامل مع المرأة لا يتعامل معها إلا عبر نص واحد فى القرآن وهو قوله تعالى «وقرن فى بيوتكن» دون أن يعطى نفسه فرصة التجول والتأمل فى نصوص أخرى كثيرة ليدرك أن البنت منذ قرابة 15 قرنا من الزمان خرجت مع أختها للسقاية لحاجة أسرتها وليست للضرورة القصوى كما يتصورون وهى التى أشارت على أبيها شعيب أن يستأجر موسى عليه السلام قبل نبوته «قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِى الْأَمِينُ ».
ويركز بعض الشاب المتدين على قضية النقاب أكثر من تركيزه على أولويات الإيمان واليقين والتوكل والإنابة وترك أمراض القلوب مثل: الحسد والغل والحقد والرياء والنفاق وحب الدنيا أو أولويات الأخلاق الفاضلة الأخرى ومن أفضل ما قاله الشيخ الشعراوى عن النقاب «أنه لا يفرض ولا يرفض. إن قراءة الواقع العملى الذى تعمل فيه نصوص الشريعة لا يقل أهمية عن قراءة النص الشرعى حيث لا يعمل الأخير فى فراغ ومن هنا فإن أزمة بعض الشاب المتدين أنه لا يفكر فى النقاب إلا من حيث الحكم الشرعى فقط أما الذى يغيب عن عقله تلك الصعوبات الاجتماعية والإنسانية والأمنية التى تعانيها المنتقبة فى العمل والشارع وفى دواوين الحكومة.
إن أحكام الشريعة لا تنعزل عن واقع تطبيقها فالواجب الشرعى لا يعمل فى فراغ أو خواء ولكنه يرتبط بالواقع.. وإذا كان الله قد خفف على النساء بفرض الحجاب وليس النقاب فلماذا نكلف زوجاتنا وبناتنا والصالحات عنتا لم يفرضه الله عليهن ويزيدهن رهقا.
وبعض الشباب المتدين الذى يعيش فى أوروبا يصر على أن تلبس زوجته النقاب الأسود فى بيئة رافضة ومشحونة بالشكوك من المسلمين عامة ومن ذوى النقاب خاصة فتعيش المرأة فى عزلة اجتماعية وحصار أمنى وفشل دعوى متواصل فما دامت تريد أن تعيش فى مجتمع ما فعليها أن تتخير من أحكام الشريعة ما يناسبه دون أن تعصى الله أو تصطدم مع ثوابت الشريعة.
إن نظرة سريعة وبسيطة لفقه «المصالح والمفاسد» و«فقه المآلات» و«فقه الواقع» و«فقه الضرورات» و«فقه الأقليات» ستجعلك تدرك ما ينبغى عليك صنعه لتخدم الإسلام ولتقدمه للناس غضا طريا نابضا قويا فتيا ولتسعد فى نفسك وأسرتك وتسعد مجتمعك.