كانت أكثر التهم التى تطارد الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى أنه يضيق الخناق على غيره من الشعراء الصعايدة، وأنه أخذ حقهم كاملًا ولم يترك لهم شيئًا، فالإعلام لا يعرف سوى الأبنودى، والدولة ومؤسساتها لا تعرف سوى الأبنودى، وتم اختزال شعراء الصعيد فى شخص الأبنودى، لكن هذه التهمة أصبحت فى مهب الريح الآن، فقد مر عام بالتمام والكمال على رحيل الشاعر الكبير، ومع ذلك لم نسمع عن شاعر فى الجنوب أو فى الشمال ممن كانوا يتشدقون طوال الوقت بحقهم الضائع والمنهوب على يد الأبنودى وقد خرج علينا بقصيدة تملأ الأرض، كما كان يفعل الخال، ولم يردد الناس خلف أحدهم ما يقولونه.
فى البداية نقول، الكتابة الجيدة تفرض نفسها، والإبداع المتحقق لا يقف فى طريقه أحد، والحظ ربما يعاند مرة ومرات، لكنّ القائمين على أنفسهم بالتأكيد يصلون لمبتغاهم، والأبنودى نفسه استطاع أن يفرض إبداعه فى ظل وجود صلاح جاهين وفؤاد حداد، لأن لديه نصًا مختلفًا، فهو لم يقلدهما، ولم يستخدم لغتهما ولا عالمهما، لكنه جاء يحمل لغته وعالمه، ورغم أن الوسائل المتاحة للنشر والتواصل مع الناس كانت قليلة، لكنه استطاع بموهبته أن يتحقق، وأن يكون فى قامتهما ويقف بجانبهما.
أمر آخر مهم، هو أن الأبنودى كان يملك مشروعًا مهمًا له وجهان، أحدهما خاص والآخر عام، أما الخاص فهو مشاركته فى كل القضايا الكبرى التى أصابت مصر والعالم العربى، وانتماؤه لجانب الشعب يتحدث باسمه، ويدافع عن قضاياه، ولعل قصيدته «الأحزان العادية» أكبر دليل على ذلك، فما زال الناس- رغم كونها مكتوبة 1981 - يرونها مناسبة حتى الآن لكل ما يستجد على أرض الوطن من اختلاف بين الشعب والأنظمة، أما المشروع العام فهو جمعه للسيرة الهلالية، وتقديمها فى الإذاعة المصرية، مما سمح لكثير من قطاعات الشعب المصرى التعرف على شخص عبدالرحمن الأبنودى بصفته راويًا للسيرة، وبذلك أضاف الأبنودى قطاعًا جديدًا من الناس لا يعرفون القصيدة، لكنهم يعرفون السماع.
ومن ميزات الأبنودى أنه بجانب القصيدة كتب الأغنية المختلفة التى تركت أثرها مع الناس، ويحسب له أنه لم يسقط فى غواية الأغنية، وهى أمر سهل جدًا، وسقط فيه شعراء كبار، لكنها ظلت على أهميتها وتميزها لديه على الهامش من ديوانه الشعرى.
إذن الأبنودى عمل على تجربته بما يليق بها، ولم يسرق حظوظ أحد ممن سبقه أو لحقه، وفى هذا الأمر يكفى أن نعرف أنه ظل يكتب الشعر حتى الأيام الأخيرة من حياته، ولعل قصيدة «أبريل» التى نشرتها «اليوم السابع» فى ذكرى ميلاده خير دليل على ذلك، وعلى الشعراء الذين ظلوا يرددون أن الأبنودى أخذ حقهم حتى فضحهم موته، يتعلمون الدرس جيدًا، ويعملون على تجربتهم الخاصة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة