بداية الإصلاح الحقيقى للدولة تكمن فى نية صانع القرار نحو تنقية القانون المصرى من المواد التى كانت تمثل عبئا عليه، وتعديل قانون الإجراءات الجنائية قفزة فى الفكر القانونى، وإذا كانت الدولة المصرية بحاجة فعلا إلى إصلاح البيئة التشريعية، فإن قانون الإجراءات الجنائية هو الأولى بالاهتمام والأجدر أن يكون مفتاحا نحو تغيير حقيقى فى منظومة القوانين، لأن هذا القانون هو حجر أساس العدالة المصرية والرابط بين كل القوانين التى تنظر أمام المحاكمات باختلاف تصنيفها. مؤخرًا وافق مجلس الوزراء فى اجتماعه الأسبوعى على إجراء تعديلات فى بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، والتعديلات تمثل قفزة حقيقية فى منظومة العدالة، لأن التعديل ينص على أنه حال إذا صدر أمر بإحالة متهم بجناية إلى محكمة الجنايات، ولم يحضر يوم الجلسة بعد إعلانه قانوناً بأمر الإحالة وورقة التكليف بالحضور، تؤجل المحكمة الدعوى وتأمر بإعادة تكليفه بالحضور، فإذا حضر وكيل عن المتهم بتوكيل خاص يتضمن الموافقة على ذلك نظر الدعوى، فإذا تخلف المحامى الموكل عن حضور أى من الجلسات، أمرت المحكمة بإعادة إعلان المتهم فى موطنه، وإذا تكرر غياب المتهم أو وكيله الخاص ندبت له المحكمة محاميا واستمرت فى نظر الدعوى والحكم فيها ويكون حكمها حضوريا، ولا يخل ذلك بسلطة المحكمة فى أن تأمر بحضور المتهم شخصيا أو بالسلطة المخولة بالمادة 380 من هذا القانون. وكذلك تضمن التعديل إمكانية قيام وكيل المتهم الخاص باتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة نظر الدعوى فى الأحكام الغيابية الصادرة من محاكم الجنايات، على أن يتبع فى نظر الدعوى والحكم فيها الأحكام المشار إليها بالفقرة الثانية من المادة 384 من قانون الإجراءات الجنائية.
بعيدًا عن هذا اللغز القانونى، سأشرح لك قليلا من التفاصيل، فى بعض القضايا مثلا، القضايا الاقتصادية التى يكون أحد أطرافها رجل أعمال ولتكن قضية التهرب من الضرائب سواء بقيمة كبيرة أو صغيرة، يشترط فى المحاكمات أن يحضر المتهم، رجل الأعمال، وتخيل أنه فى أغلب الأوقات يدخل قفص الاتهام مع متهمين جنائيين، وهو أمر ضد مفهوم العدالة نفسه، ولكنه للأسف يحدث فى مصر، جانب آخر من القضايا، وليكن قضايا النشر، يشترط أن يحضر المتهم، ويدخل قفص الاتهام مع متهمين فى قضايا جنائية، رغم أن حضور المتهم بالأساس هنا لا يفيد ولا يضر.
التعديل يعكس فكرا جديدا للحكومة نحو إصلاح تشريعى حقيقى ويعكس أيضا أن مقر مجلس الوزراء يرسل إشارات لنواب البرلمان أنه يقدم اقتراحات بقوانين مهمة تخدم منظومة العدالة قبل أن يقدمها النواب أنفسهم، وهو ما نستدل منه على مبارزة قانونية بين مجلس النواب ومجلس الوزراء فى الفترة المقبلة وطوال المدة التشريعية لمجلس النواب.
الجانب الثانى والأولى أيضًا بالمناقشة هو أجندة البرلمان التشريعية، فلسفة البرلمان فى التشريع المصرى، أعتقد أن من بين أبرز القوانين التى يتوجب على البرلمان تقديم اقتراحات بتعديلها ومناقشتها، قانون الإدارة المحلية، وقانون بناء دور العبادة، وقانون العدالة الانتقالية، وقانون التظاهر، وقانون الإيجارات، وقانون التعدى على الأراضى الزراعية، وقانون الاستثمار الموحد وحقبة التشريعات الاقتصادية، وقانون التأمين الصحى، وقانون تنظيم الصحافة والإعلام.
إذا وضع البرلمان أجندة التشريعات وسار عليها فى السنوات الخمس المقبلة، فنحن نسير بحق فى الطريق الصحيح، أما إذا أغرق البرلمان فى التفاصيل اليومية، خناقات، مشادات، شد وجذب، دون مضمون حقيقى، فنحن وقتها سنكون فقدنا بوصلة المستقبل.
أخيرا.. شكرا لمن فكر ووقف وراء خروج تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، وننتظر مزيدا من الإصلاح التشريعى الحقيقى لحزمة قوانين تم وضعها منذ عشرات السنوات، لا يصلح تطبيقها بالأساس فى عام 2016.