هل تؤثر لقاءات القاهرة والرياض على المنطقة؟.. من القاهرة إلى الرياض كانت هناك جولات دبلوماسية دولية وإقليمية، يمكن النظر من خلالها إلى أن المنطقة تشهد تحولات جذرية، وربما إعادة لرسم الخريطة السياسية والاستراتيجية، فعاصمتا القرار العربى شهدتا وستشهد الأسبوعين المقبلين اجتماعات هامة سيتحدد على أثرها شكل الشرق الأوسط، فى القاهرة كانت هناك قمة مصرية سعودية، تبعتها زيارة مهمة للرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند، وفى الرياض كان هناك حدثان بارزان، الأول، القمة الخليجية - المغربية، والعاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز أنها تعكس العلاقات الوثيقة فى كل الجوانب بين الطرفين، مؤكداً تضامن دول الخليج مع المغرب.
هذه القمة حاولت الخروج برؤية موحدة تجاه القضايا الإقليمية، بالإضافة إلى الهدف الأهم وهو إعطاء دفعة جديدة للشراكة الاقتصادية الاستراتيجية بين الرباط ودول مجلس التعاون الخليجى، على أمل الوصول إلى فكرة انضمام المغرب للمجلس الخليجى.
دعم القمة الخليجية المغربية للرباط فيما يتعلق بالوضع فى الصحراء المغربية هو أمر بديهى، ورسالة قوية للطرف الثانى فى هذه الأزمة وهى الجزائر التى تقف داعمة لجبهة البوليساريو الساعية للانفصال، فالأمر أصبح واضحاً للجزائر أن دول الخليج لن تتخلى عن المغرب، حتى وأن حاول العاهل المغربى التقليل من ذلك بقوله إن هذه القمة ليست موجهة ضد أى جهة، لأن ما قاله بعد ذلك يؤكد الرسالة الإساسية للقمة، خاصة حينما قال «نحن أمام مؤامرات تستهدف أمننا الجماعى.. الدفاع عن أمننا واجب، والأمن الخليجى هو أمن المغرب».
وبعدما أسدل الستار على القمة الخليجية المغربية مساء الأربعاء، انطلقت فى اليوم التالى القمة الخليجية الأمريكية، بحضور الرئيس باراك أوباما التى هدفها ترميم العلاقات الأمريكية الخليجية خاصة السعودية التى تصدعت فى أعقاب توقيع الاتفاق النووى الإيرانى الذى لم ترض عنه الرياض وبقية دول الخليج وهذه القمة سبقها اجتماع لوزراء الدفاع بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مع وزير الدفاع الأمريكى، آشتون كارتر، قال عنه الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولى ولى العهد النائب الثانى لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إنه عقد فى ظل تحديات كبيرة تواجه العالم والمنطقة، وأهمها الإرهاب والدول غير المستقرة، والتدخلات الإيرانية فى شؤون دول المنطقة.
مما قاله الأمير محمد بن سلمان يمكن التعرف على الأسباب التى دعت لهذه القمة، منها محاربة تنظيم «داعش» الإرهابى، لكن يبقى الموضوع الأساسى وهو الاتفاق النووى الإيرانى الذى يحاول أوباما تمريره مع دول الخليج قبل أن يترك البيت الأبيض، وربما يفسر ذلك القرارات الأمريكية الأخيرة التى تم الإعلان عنها فى أعقاب اجتماع وزراء الدفاع بالرياض، ومنها الاتفاق على تدعيم التعاون الخليجى- الأمريكى فى مجال الدفاع الصاروخى، وتسيير دوريات مشتركة لاعتراض سفن تهريب الأسلحة الإيرانية لليمن، واشنطن تحاول طمأنة الخليجيين من الاتفاق، وربما يمكن اعتبار زيارة الساعات الثلاثة التى قضاها وزير الخارجية الأمريكى بالقاهرة أمس الأول الأربعاء ولقائه مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، بأنها تأتى فى هذا الإطار، مع محاولة أمريكية لوضع مصر فى أجواء ما يحدث من مباحثات أمريكية خليجية متعلقة بإيران أو بشكل أوسع الترتيبات الأمنية الجديدة للمنطقة، حتى يكون للقاهرة دور فيما يحدث.
لماذا أقول ترتيبات أمنية جديدة فى المنطقة، لأن ما انتهت إليه قمتا الرياض ومن قبلها لقاءات القاهرة، يشير إلى أن المنطقة مقبلة على تغيرات كبيرة سواء فى التحالفات الإقليمية أو إعادة توزيع نقاط القوة والضعف العسكرى، فمما تم الاتفاق عليه بين دول الخليج وواشنطن يضمن التفوق العسكرى لدول الخليج على حساب إيران التى ستخرج من الاتفاق النووى بشهية مفتوحة لزيادة قواتها العسكرية، وهو ما سبق وحذرت منه دول الخليج، إلى أن انتبهت له واشنطن وبقية الدول الأوروبية التى سارعت لإعلان التوافق وعودة الحركة الدبلوماسية بينها وبين طهران، دون إدراك أن هذه الحركة الأوروبية الجديدة تجاه إيران ستصب فى خانة إضعاف القوة العربية، وخاصة الخليجية.
الحديث عن هذه الترتيبات التى تجرى وتخص إيران فى المرتبة الأولى لا يمكن النظر لها بمعزل عن وضع إسرائيل الآن فى المنطقة، خاصة فى ظل الأوضاع الجديدة التى جعلت على سبيل المثال دولة مثل السعودية جارة مباشرة لإسرائيل بعد إعلان مصر ملكية السعودية لجزيرتى طيران وصنافير، وهو ما يستدعى ترتيبات أخرى ربما تفوق ما يتم الآن، ويحتاج هذا لحديث آخر.