«ورأيت ابن آدم وهو يُجن.. ويورث أبناءه دينه.. واسمه.. وقميص الفتن»، هكذا يقول الشاعر الكبير أمل دنقل مختصرا حالة الإنسان بوجه عام والحالة العربية والإسلامية فى تعاملها مع التاريخ، والإرث الممتلئ بالتوتر عبر تاريخنا الطويل المعبأ بمشكلات التربص وإحياء الموتى لإعادة محاسبتهم وتحميلهم فشلنا الذى نعانى منه، وذلك بما يعنى سقوطنا بكامل إرادتنا فى «عبادة التاريخ» بالمعنى الحرفى، هذا مع أن الأهمية الأولى للتاريخ هى أن يتعلم الناس منه فيتجنبون أخطاء الماضى ولا يكررونها، ويعرفون مفاتيح التوافق فيلجأون إليها ومواطن الكراهية فيبتعدون عنها، لكن معظم مشكلاتنا ما زالت تنشأ بسبب عدم الإدراك الجيد، وبسبب القراءة اللحظية والخاطئة للوقائع التاريخية، أو بسبب التوقف الطويل عندها وإغفال التطور الزمنى، ومن ذلك تصريحات القيادى الشيعى أحمد راسم النفيس حول الصحابى عمرو بن العاص.
واعتراضنا على تصريحات «النفيس» التى رأى فيها أن عمرو بن العاص هو من شق صفوف المسلمين بسبب واقعة التحكيم الشهيرة بين الإمام على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان، ليس من باب الدفاع عن ابن العاص، فالله سبحانه وتعالى يحكم فى أمره، ورجال التاريخ يتحققون من هذه الأحداث، خاصة أن الكتب العربية ممتلئة بالمبالغات والانحيازات، وتحتاج لرجال منصفين يتحققون من كل شىء، لكن اعتراضنا يأتى دفاعا عن واقعنا المعاصر وظروفنا الحالية، التى لا تحتمل شقاقات جديدة بسبب ظروفها المتصدعة، وليست بحاجة لإشعال النار المطفأة، بل نحن فى حاجة ملحة لإطفاء الكثير من الحرائق المشتعلة.
ومن نعم الله على الشعب المصرى أنه بعيد عن براثن الصراعات السنية الشيعية بمعناها الكبير، ولولا الوجود الكثيف للفكر السلفى فى السنوات الأخيرة وآراؤه المتشددة القائمة على تكفيره للشيعة وإخراجهم من الملة، وإعداده لمؤتمرات تحت عنوان «هم العدو فاحذروهم»، والذى ترتبت عليه كارثة «أبومسلم» الشهيرة منذ سنوات قليلة، أقول لولا تنامى الفكر السلفى ما عرف المصريون ثنائية السنة والشيعة إلا على سبيل المجاز، لأن الجملة التى يرددها المصريون دائما بأنهم «سنيو المذهب شيعيو الهوى» هى حقيقية بدرجة كبيرة، وما دمنا نعيب على الفكر السلفى تشدده وعجزه عن التواصل مع فريق مسلم آخر، فإننا بالتأكيد نعيب على إخواننا الشيعة أن يخرجوا بتصريحات تستفز البعض وتسبب العديد من المشكلات.
فالتطرف، والرؤية الأحادية للأشياء، وعدم مراعاة الحاضر لا تصنع فكرا ولا تبنى مجتمعا، والمجتمع الصالح بأفراده الصالحين يعرفون دورهم البعيد عن إثارة الفتنة أو إشعال الحروب.