كارثة بكل المقاييس يكتوى بنارها كل بيت فى مصر تقريبا، فلا توجد أسرة مصرية إلا ولدى أحد أفرادها على الأقل سيارة مؤمن عليها، خاصة مع نمو سوق تجميع وصناعة السيارات، ومع تشجيع الدولة لإحلال السيارات الحديثة محل الموديلات القديمة، نمت صناعة التأمين على السيارات، ودخلت شركات عديدة هذا السوق الواعد ومعها الوسطاء والمكاتب الفرعية التابعة التى تستخدم اسم الشركة الأصلية لاجتذاب العملاء، وفى النهاية نجد أنفسنا أمام مئات بل آلاف الشركات التى تحصل النقود من المواطنين بزعم تقديم الخدمة التأمينية، لكن الكارثة تتضح عند وقوع أول حادث، لتنكشف الحقيقة المرة بتنصل شركة التأمين أو الوسيط عنها أو الوكيل الفرعى من أداء المستحقات التأمينية للمواطن، الذى يجد نفسه ضحية لنصباية كبيرة بدون رقيب أو حسيب من الدولة.
كيف يتحقق هذا الخداع لمئات الآلاف بل الملايين من المواطنين الذين يخضعون لدوائر ووكلاء شركات تأمين السيارات دون حماية تذكر من الدولة، رغم وجود هيئة الرقابة المالية وجهاز حماية المستهلك؟
تعتمد كثير من شركات التأمين ووكلاؤها صياغات تأمينية ليس الغرض منها تقديم الخدمة للمواطنين بقدر ما تهدف للتهرب منها حال استحقاق تقديمها، فوثيقة التأمين عبارة عن عقد إذعان مستتر وملىء بالشروط المجحفة فى حق المواطن المستحق للخدمة، وعادة ما تلجأ شركات التأمين إلى وضع العديد من البنود والصياغات داخل الوثيقة تكفل لها التهرب من أداء الخدمة وتحميلها للمواطن المسكين الذى لا يكتشف الحقيقة المرة إلا مع أول حادث يتعرض له، ليجد أن عليه تحمل الكثير من النفقات والتكاليف ليؤدى الخدمة التأمينية بدلا من الشركة التى تبنى استراتيجيتها على تحقيق أقصى ربح ممكن دون سداد أى تبعات!!
كثير من المواطنين يكتشفون خداع الوسطاء والوكلاء الفرعيين لشركات التأمين بعد تعرضهم للحوادث، لكنهم يكونون فى موقف الطرف الأضعف، فهم لا يعلمون بالضبط ما وقعوا عليه فى وثيقة التأمين التى يحسبون أنها لصالحهم، ولا يعرفون أى جهة رقابية يمكن أن تحاسب شركات التأمين حال تلاعبها أو تنصلها من سداد ما عليها من التزامات، ولا يجدون مفرا من الخضوع لإملاءات هذه الشركات وهم يرفعون شعار «الشكوى لغير الله مذلة»، حتى باتت شركات التأمين فعلا هى الخصم والحكم والمستفيد الأوحد فى كل الظروف.
طيب، ماذا تفعل هيئة الرقابة المالية تجاه هذه الشركات المتلاعبة بالمواطنين والتى لا تقدم أى خدمة تأمينية لهم، رغم توقيعها مئات الآلاف من الوثائق، ورغم تراكم أرباحها بالمليارات؟ الإجابة «لا شىء».
وماذا يفعل جهاز حماية المستهلك، ليحقق الهدف الذى أنشىء من أجله وهو حماية مصالح الأغلبية الكاسحة من المواطنين من النصب أو التلاعب أو إساءة تقديم الخدمات، ومن بينها الخدمة التأمينية وفق القانون؟ لا شىء.
هل كلفت أى جهة فى الدولة نفسها بمراجعة نماذج وثائق التأمين على السيارات قانونيا؟ هل فكر مسؤولو الأجهزة المعنية بحماية المواطنين أن يقيسوا مقدار التوازن فى وثائق التأمين بين حق المواطن وحقوق الشركات؟ وهل بحثت تلك الأجهزة فى إهدار أكثر من عشرين بالمائة من ميزانية شركات التأمين على الهدايا التسويقية الثمينة للمعنيين بتغليب مصالحها على حساب المواطنين؟ وإلى متى يظل هذا الميزان المختل متحكما فى مصالح الناس؟
تفعيل الرقابة على مقدمى الخدمة التأمينية وتقييم طبيعة هذه الخدمة هو الحل، والنظر جديا فى شكاوى المواطنين المضارين من غياب الخدمة التأمينية المناسبة هو بداية الإصلاح لقطاع التأمين التكافلى، الذى يمكن أن يكون من أهم مصادر دعم الاقتصاد الوطنى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
assfg
السرقة من زمان