لا ينكر عاقل الإنجازات العديدة التى تمت فى العامين الماضيين، وفى عدة محاور تنموية مهمة، فلا جدال حول الجهود المبذولة فى مجال المرافق العامة وشبكات الطرق، ويتم الآن تنفيذ العديد من مشروعات الأشغال العامة، سواء رصف أو مياه شرب أو صرف بكل محافظات الجمهورية وننتظر نتائجها فى شغف، ونتمنى أن نشعر بتطور فى هذه الخدمات لأن أغلبها تحول من خدمة إلى صدمة.
ولا يمكن لمنصف أن يتجاوز ما تم فى العديد من المشروعات القومية الكبرى، وإن كان مردودها الاقتصادى لن يتحقق إلا بعد أعوام وعقود إلا أن هذه النوعية من المشروعات تؤكد فى النهاية قوة الدولة واستقرارها وقدرتها على بناء أحلامها، بالإضافة إلى العديد من المبادرات الاجتماعية والاقتصادية التى تبنتها قيادات الدولة والتى كان معظمها يهتم بالحد من البطالة وتشغيل الشباب وزيادة الإنتاج، ونتمنى أن يوضع لتلك المبادرات استراتيجيات واضحة وفعالة حتى يستمر تأثيرها، وتسهم فى نهضة حقيقية للبلاد وليس مجرد مسكنات وقتية، وطبعا لا يستهين أحد بالحملات الصحية لمكافحة فيروس سى وبعض الأمراض المزمنة والتى أنقذت حياة الآلاف حتى الآن.
باختصار وبأمانة نحن نقدر تلك المجهودات للقيادات السياسية ونثق فى إخلاصها ورغبتها الحقيقية فى الإصلاح والتطوير، ولكن يبقى السؤال: لماذا لا يشعر الناس بكل هذا المجهود وتلك الإنجازات؟!.. قد تكون الإجابة (لأنها لم تصل لهم بعد) أو لأن مشاكلهم الحياتية اليومية تمنعهم من رؤية أى إيجابيات أو لأن حجم السلبيات المتراكمة مازال يخفى الإنجازات فرغم التكاليف العالية والمجهودات العظيمة التى بذلت فى المشروعات القومية الكبرى فإن عائدها الاقتصادى بطىء ويعطى مردودا اجتماعيا بعد فترة طويلة فنحن نحتاج مثلا إلى عدة سنوات حتى يحقق مشروع توسيع قناة السويس عائدا مرضيا يضيف للموازنة العامة ويصل مردوده الاقتصادى لجيوب الناس وفى انتظار الانتهاء من إنشاء محور تنمية القناة حتى تبدأ إقامة المشروعات وتوفير فرص عمل للشباب أو توفير منتجات أفضل فى الأسواق... إلخ.
فالحقيقة أن الناس لا تدرك التطوير إلا حينما تلمسه بيديها ويؤثر على مستوى معيشتها، فحينما تبدأ مشروعات الاستزراع السمكى أو نحصد إنتاجا زراعيا وحيوانيا لمشروع المليون ونصف المليون فدان ونشعر بوفرة فى تلك المنتجات وتقل أسعارها وتزيد مصادر إنتاجها فسوف يشعر الناس بهذا الإنجاز، ولكن ما دام هناك ارتفاع دائم فى الأسعار وتضخم مستفز فى كل القطاعات والأسواق وشح فى الإنتاج فإن الناس سوف تستمر فى الضجر والضجيج، ولن تشعر بأى إنجاز. ومن الطبيعى أن يزيد هذا الضجر كلما ارتفع الدولار وانخفضت قيمة الأجور والمدخرات بسبب ذلك. مع عجز واضح فى مواجهة هذا الارتفاع المقلق للعملات الأجنبية أو السيطرة على حالة الأسواق التى يتحكم فيها جشع تجار العملة والمستوردين والمنتجين، بالإضافة إلى الفاتورة المتضخمة التى يدفعها الناس الآن فى المرافق والطاقة. فنصف بيوت العاصمة انقطع عنها الماء بسبب ارتفاع فواتير أسعار المياه وعجز الناس عن سدادها. وفواتير الغاز الطبيعى تضاعفت أكثر من خمس مرات فى الفترة الأخيرة. أما فواتير الكهرباء فحدث ولا حرج هذا بالنسبة للناحية الاقتصادية، ولم نتكلم فيها حتى عن المشاكل القديمة المتراكمة مثل العلاج والدواء والتعليم وغلاء المساكن وتضخم نفقات الزواج أو الأبناء.
المصريون محاصرون بعشرات المشاكل الاقتصادية أو اليومية أو الخدمية، وللأسف ورغم ما بذلته الدولة فى الفترة الأخيرة فإنها لم تستطع تحسين حياة الناس أو حتى التخفيف عنهم ليظل الناس فى انتظار الفرج أو يسعون تحت الضغوط لحماقة الهرج لذلك نحن نناشد رجال الدولة بالتحرك السريع، وفى عدة اتجاهات حتى تخف الضغوط التى تحاصر الناس وتتحسن معيشتهم ولو قليلا، وهذا الكلام لا يوجه من قبل النقد أو المعارضة بقدر ما هو رجاء لأن أصعب ما يواجهنا الآن هو قدرة الناس على التحمل، فالأفواه الجائعة لا تفهم معنى الحرية ولا تدرك قيمة التضحية، لذلك على الدولة أن تبحث عن إنجازات يشعر بها الناس وتؤثر بسرعة فى حياتهم.. لا أن ينتظروا نتائجها بعد موتهم!