إنه اليوم الثانى من أسبوع آلام السيد المسيح، يوم «اثنين البصخة» التى تعنى العبور، وبالأمس كان أحباب عيسى قد استقبلوه بسعف النخل وأغصان الزيتون فرحين به وجاعلين منه ملكًا على أرواحهم، أما اليوم فقد فعل المسيح شيئين يحملان رمزين ضروريين لتربية الإنسان وتعليمه، الأول، فى الصباح عندما نزل من بيت «عنيا» إلى القدس مر بشجرة تين مورقة، لكنها غير مثمرة فلعنها، والثانى طرد المستغلين لبيوت الله فى غير ما خصصت له.
جاء فى إنجيل مرقس أن المسيح عندما مر على شجرة التين المورقة التى بلا ثمر، والوقت لم يكن وقت نضج التين، ومن ثم الظروف الطبيعية توحى بأن الأمر يقتضى ألا يكون فى الشجرة ورق، لأن وجود الورق قبل أوانه فى تلك التينة كان علامة على أنها مثمرة قبل أوان الثمار، لكن لم يوجد فيها شىء من الثمر ولا أى أمارة على أنها ستُثمر، وفى رأى الكثير من المفسرين أن ما فعله المسيح كان مثلًا معبرًا عن حالة اليهود والذين ادّعوا أنهم أمة منفردة بالقداسة على الأرض، ومع ذلك فقد خلوا من الإيمان والمحبة ومن القداسة، كما أنها رمز ممتد ضد «المخادعين» الذين يظهرون بهيئة ليست حقيقية.
أما الشىء الثانى الذى فعله المسيح فى ذلك اليوم، فهو أنه لما دخل القدس وجد الناس يبيعون ويشترون فى بيت العبادة، وحينها غضب وقام بقلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الطيور، وقال لهم: «مكتوب بيتى بيت الصلاة يُدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص»، هذا مع كون الأشياء التى تباع كانت من أجل الصلاة داخل القدس، لكن رؤية المسيح كانت قائمة على أن بيوت الله هى للعبادة فقط، وليست مكانًا لبيع أو شراء أو مساومة أو تآمر على الناس والبلدان.
لكنّ المصريين دائمًا ما يضعون مفاهيمهم الخاصة على الأيام المقدسة، ويأخذون من حياتهم، ويعطون لكل شىء يحيط بهم، فاليوم الثانى من آلام السيد المسيح ارتبط فى قرى مصر بشىء مما تنبته الأرض، لذا يسمونه يوم «اثنين الفريك»، وفيه يكون طعام الفلاحين قائمًا على «الفريك» الذى هو القمح الأخضر قبل استوائه، حيث يتم حصد جزء منه، ويتم نشره فى الشمس، ووضعه فى الأفران، وفى أسبوع الآلام يحتفلون بكونه الطعام الأساسى لليوم.
الأيام المقدسة فرصة طيبة للإنسان كى يراقب نفسه، وينتصر على مساوئها وعيوبها، وأخطرها أن يخدع الناس ويتظاهر بغير الحقيقى، وكذلك أن يستغل الأشياء ويضعها فى غير مكانها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة