اعتاد الإعلام بكل وسائله فى مثل هذه الأيام التى تتوافق مع الاحتفال بعيد القيامة المجيد من كل عام على إثارة موضوع زيارة الأقباط إلى الأماكن المقدسة التى تسيطر عليها الدولة الصهيونية، خاصة إن هناك قرارا من الكنيسة المصرية بعدم السماح بهذه الزيارة للمسيحيين الأرثوذكس، كان قد اتخذ فى عهد البابا شنودة الثالث فى مارس 1981 ، ولذا تتم إثارة هذه القضية على اعتبار أن زيارة الأقباط هذه هى أسلوب للتطبيع مع الإسرائيليين.. فما هى الحكاية؟
بداية وبصراحة.. إن مشكلتنا الأساسية هى قراءة التاريخ بالطريقة التى نريد أن نقرأه بها، وليس كما يجب أن تكون القراءة الحرة الموضوعية البعيدة عن المجاملات وخلق البطولات وإسقاط ما نريد وكل ما نتمنى على تلك الأحداث، فلم يصدر قرار البابا، لأن السادات طلب منه الذهاب معه إلى إسرائيل عندما زارها السادات، ولكن لأن الزيارة كانت غير متاحة منذ عدوان 1967 لاحتلال إسرائيل الأرض.
كما أنه فى تلك الفترة كان المد القومى العروبى والقضية الفلسطينية فى قمة زخمها الإقليمى والدولى، ولذا كان الرفض الشعبى والحزبى للزيارة ولمعاهدة السلام والتطبيع، وذلك على المستوى الشعبى، حيث تم قطع العلاقات مع نظام السادات.
ولما كان البابا شنودة هو العدو المعلن للسادات، ومنذ أحداث الخانكة عام 1971 ولما كان البابا شنودة لديه ذكاء وخلفية سياسية كان هذا القرار من البابا بمثابة موقف ضد السادات بشكل غير مباشر وفى ذات الوقت موقف مع المد الشعبى العربى، الذى كسب به البابا وحصل على لقب بابا العرب، وذلك لأن القرار سياسى فى المقام الأول ولا علاقة له بالدينى، حيث إن المسيحية لم تقل ولم ترفض زيارة الأماكن المقدسة ولم توجب عقوبة على من يخالف قرارا سياسيا للكنيسة، فهذا يعود إلى القناعة الذاتية السياسية فقط، ولكنه كان قرارا وطنيا فى إطاره المصرى والعربى شعبيا، ولذا ومع تغيرات كثيرة طرأت على الساحة وجدنا البابا شنودة يتوانى ولا يوقع تلك العقوبات الكنيسة، مع العلم بأن زيارة الأقباط إلى القدس لا علاقة لها بالسياسة ولا علاقة لهم بالتطبيع بالرغم من تعاطفهم الخاطئ مع اليهود، نتيجة لتأثرهم بالاختراق الصهيونى للمسيحية، فهم يذهبون للتبرك.
كما أن هناك متغيرات سلبية أصابت القضية الفلسطينية، أهمها الصراع الفلسطينى - الفلسطينى وأسلمت حماس القضية هى والتيار الإسلامى الذى لم نر منهم تحريرا للقدس، بل نرى اقتتالا إسلاميا إسلاميا، ناهيك عن انحسار المد القومى والعروبى، إضافة إلى النتائج السلبية للربيع العربى، تلك التى أحدثت تغيرا، أدى إلى فوضى تهدف إلى تقسيم المنطقة على أسس طائفية، الشىء الذى أثر على القضية الفلسطينية وعلى الموقف الشعبى من التطبيع، ناهيك عن المواقف المتخاذلة للحكومات والأنظمة العربية تجاه إسرائيل، ولذا نجد أن موسم الإعلام هذا - والذى تتم فيه إثارة موضوع زيارة الأقباط إلى الأماكن المقدسة التى تسيطر عليها - لم يعد له مبرر.. حفظ الله الوطن وحفظ الشعب الفلسطينى.