كنت أتوقع من نظام البشير الاصطياد فى الماء العكر وفتح ملف حلايب وشلاتين فى خضم أزمة «تيران وصنافير»، فهو يبحث عن إلهاء شعبه عن بقائه فى الحكم لعقود وتسببه فى تقسيم السودان وتقويض الحريات بها، متاجرا بالدين، ومؤخرا بخلق قضية وهمية يلهب بها المشاعر الوطنية للسودانيين، فيجب ألا ننسى خلفيات البشير وعلاقاته بالتنظيمات الدينية المتطرفة، كما أننا لا يمكن أن نتغافل الدور الانقلابى له وتخليه عن الموقف الموحد لمصر والسودان تجاه أزمة سد النهضة والحقوق التاريخية فى حصص مياه نهر النيل.
أما عن جزيرتى «تيران وصنافير» فالحديث لا يتوقف مع ذكرى تحرير أرض الفيروز «سيناء» فيزداد الأمر غموضا بقدر ازدياد الحيرة الشعبية والانقسام النخبوى حول جنسيتهما، فكل طرف يمسك بتلابيب منطق وارد من شهادات وكتابات ووثائق شخصيات معاصرة، بعضها جنح لمصرية الجزيرتين، والآخر مال لسعوديتهما، ليبقى الجميع فى ظلمات الحيرة التى لا يمكن إغفال جانب المسؤولية فيها، والذى يرجع للفقر فى تداول المعلومات من قبل الحكومة، وهو السبب الرئيسى لما يحدث الآن وهو ما فتح المجال لأطراف تصطاد فى الماء العكر فى الداخل والخارج فتنهال على مصرنا الأزمات تلو الأخرى بلا رحمة ولا هوادة ولا قدرة على المعالجة من جانب الدولة.
لكن يبقى لزاما أن نوضح كأعضاء للبرلمان، إنه فى المعاهدات الدولية هناك فرق بين مرحلتى التوقيع والتصديق، فالتوقيع تقوم به السلطة التنفيذية فقط، لكن تبقى المعاهدة غير نافذة، حتى يتم التصديق عليها، أما التصديق على المعاهدات فيختلف تنظيمه من دولة لأخرى حسب دستورها، وفى دستورنا حسب «المادة 151» تنص على «يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف، وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أى معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة».
وبناء على ما ورد فى الدستور فأولا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية ستعرض على البرلمان، فهى ليست سرية، وثانيا ما ورد فى نص المادة بأنه «يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب» فلا تصديق ولا نفاذ إلا بموافقة البرلمان على ما أبرمته السلطة التنفيذية فى المعاهدة، فهنا يأتى دور البرلمان الذى بدأت بعض الأصوات مبكرا إما أن يسبقوا بقراره أو يخونوه ويخلقوا حوله شائعات وضيعة من عينة رشوة الساعات «الروليكس».
وبعيدا عن كل ذلك أشهد الله وأشهدكم بأننى بعد أن أستوثق من كل الوثائق وأطلع على كل الحقائق، سأعلن رأيا بشأن الجزيرتين، وسأقول كلمة الحق لله ثم الشعب والتاريخ، ولن أخشى فى الحق لومة لائم، فالحق أحق أن يتبع، والتيقن يقع بين أمرين لا ثالث لهما، وهما هل كانت مصر خلال عمرها الطويل تملك السيادة أم الإدارة لكلا الجزيرتين؟، فإذا ثبتت السيادة، فلا يجوز التفريط فيهما، وفى هذه الحالة القرار للشعب عن طريق استفتائه، وإن تحققنا من وقوع الإدارة فحسب، فالأمر موكل للبرلمان يعلن قوله وكلمته بعد البحث والتدقيق والعرض على الرأى العام لاستقراء إرادته، فالبرلمان سيسير على درب العقيدة المصرية الراسخة منذ فجر التاريخ، فالمصريون لا يقبلون أن يعتدى أحد على أرضهم، كما أنهم لا يعتدون على أرض الغير، فهم التجسيد الحقيقى لمعانى الكبرياء الوطنى والاحترام الإنسانى لأبناء المعمورة.
ويبقى فى النهاية تحذير ودعاء، فأحذر من استغلال غيرة المصريين على أرضهم ووطنهم من أطراف خبيثة تسعى لتوجيه أزمة جزيرتى «تيران» و»صنافير» نحو تفكيك الأمة والنيل من وحدتها، وتحقيق مآرب سياسية بغيضة، اللهم قنا شر الفتن، اللهم احفظ أرض الكنانة ممن يراقبون عن كثب ويعربون عن القلق ويرقصون على أوتار المحن ويسعدون بأنقاض الوطن.