عمرو خالد

الإحسان حب وإتقان

الأربعاء، 27 أبريل 2016 11:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الإحسان ليس فقط إتقان العمل على الوجه المطلوب، بل فوق ذلك هو أداؤه بكل حب وإضفاء اللمسة الجمالية عليه، وهو يأتى بعد الإسلام والإيمان، وقد رغبّ الله تعالى فيه ودعا إليه فى أكثر من موضع فى القرآن .. فيقول: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ». والإحسان نوعان: إحسان فى العبادة، أن تعبد الله تعالى كأنك تراه فإن لم يكن تراه فإنه يراك، أى أن تستحضر عظمة الله فى صلاتك، فتعلم أنك واقف بين يديه ينظر إليك، وهكذا فى كل أمور عبادتك.. أن تعبد الله بكل بحب.. فإذا ما كنت كذلك، وفاك أجرك الذى وعدك إياه «هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ». أما النوع الثانى: فهو الإحسان إلى الخلق، بإعطاء كل ذى حق حقه، والقيام بالعمل المطلوب على أحسن ما يكون الأداء.. فى عملك.. إتقان مقترن بالجمال.. «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».. مع والديك.. الإحسان إليهما ببرهما بالمعروف وطاعتهما فى غير معصية «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا».

الإحسان إلى الجار.. أن تتعامل معه بكل ذوق وأدب.. وأن تكف الأذى عنه «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره».. الإحسان إلى اليتامى والمساكين بالمحافظة على حقوقهم، والعطف عليهم «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ».. فى التحية «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا». فى الجدل «وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ».. فى الكلام «وَقُلْ لِعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِى أَحْسَنُ».. فى الزواج «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».. فى الطلاق «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ».. فى التعامل مع الحيوانات بالرفق بها وإطعامها.. واتباع الهدى النبوى عند الذبح.. فلاتذبح حيوانًا أمام آخر «إن الله كتب الإحسان على كل شىء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح». وأول خيط لبلوغ درجة الإتقان والإحسان.. هو إدراك قيمة الوقت وعدم إهداره فى غير ما ينفع.. وقد نبهنا الله إلى ذلك فى سورة «العصر».. فقال: «وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ».. كأن ربنا يقول لك: اعصر عمرك عصرًا، احذر من أن تضيع عمرك.. اعصره لتخرج أفضل ما فيه لخيرك وخير البشر. اعصـروا أعماركم أيها الناس وإلا فإن «إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِى خُسْر».. استغل وقتك فيما ينفع دينك ودنياك، حتى لا تكون من الغافلين الخاسرين.

الإحسان بلغة العصر هو الوصول إلى درجة عالية من الإتقان تحصل فيها على «شهادة الإيزو»، وهو سر من أسرار تفوق الغرب، بعد أن أصبح «الإتقان» سمة أساسية من سمات الإنسان هناك، فهو يعرف واجباته قبل أن يطالب بحقوقه، فتجد من يؤدى عمله بدرجة كبيرة من الحب والإتقان، يعى جيدًا ما هو مطلوب منه، ولسنا أقل من هؤلاء حتى نكون بارعين مثلهم.. إذا ما ركزنا فى عملنا وأتقن أصوله وقواعده. الشاعر يقول: «وبضدها تعرف الأشياء».. فإذا كان الإتقان هو المحطة التى تقودنا للوصول إلى الإحسان.. فإن عكسه هو خيانة أمانة.. غش أو إهمال.. وهى آفة خطيرة أصيبت بها مجتمعاتنا الآن.. فنرى طبيبًا أعطى المريض جرعة تخدير زائدة، أو نسى فوطة داخل بطنه أثناء العملية.. أو مهندسًا مسؤولاً عن تشييد بناية، كان سببًا فى وفاة الآخرين نتيجة انهيارها.. وما شابه.

كان جمع القرآن الكريم فى مصحف واحد معجزة فى الإتقان.. سيدنا زيد بن ثابت يقول: «لو كلفونى بنقل جبل لكان أهون علىّ من جمع القرآن».. هذه روح من يريد الإتقان.. عندما قام «ذو القرنين» ببناء السد.. أعد العدة لذلك جيدًا، ونفذ عملية البناء فى وقت محدد قبل أن يأتى يأجوج ومأجوج.. وهو ما جعل السد باقيًا إلى اليوم.

الإبداع الجمالى وإتقانه شىء يفتخر به المسلم وليس تضييع مال وأبهة بلا فائدة.. بلقيس ملكة سبأ أسلمت وقومها لما رأوه من إتقان جمالى حضارى.. «قِيلَ لَهَا ادْخُلِى الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ»، صرح أرضه وسقفه وجدرانه كلها زجاج. عندما أوكلت إلى سيدنا يوسف مهمة إنقاذ مصر فى أعوام القحط والجدب، عكف على وضع خطة اقتصادية أشرف على تنفيذها بكل دقة وعناية.. فجعله الله سببًا لنجاة البلاد والعباد.. و«وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة