هل تكفى المسكنات لإصلاح العلاقة بين القاهرة وواشنطن؟.. ليس خافيًا على أحد وجود توتر يشوب العلاقات المصرية الأمريكية على خلفية فتح التحقيق مرة أخرى فى القضية رقم 173 منظمات، الخاصة بتمويل عدد من منظمات المجتمع المدنى، ورؤية واشنطن التى لا تزال تضغط لتمريرها، وهى إعادة دمج الإخوان مرة أخرى فى الحياة السياسية المصرية.
فى قضية المنظمات، تعد الولايات المتحدة طرفًا أصيلًا، كونها الممول الرئيسى والأساسى لعدد من المنظمات الخاضعة للتحقيق فى هذه القضية، كما أن المنظمات التى لم تتلقَ تمويلًا أمريكيًا حاولت خلال الفترة الماضية اللجوء لواشنطن والاستقواء بها على مصر، وساعدهم فى هذه المهمة بعض جماعات الضغط الأمريكية، منها جماعة تسمى نفسها «مجموعة العمل الخاصة بمصر»، وصحف مثل واشنطن بوست، ونيويورك تايمز، فالكل يعمل فى اتجاه واحد، وهو الضغط على مصر لتمرير كل ما يخططون له.
هذه الجماعات ووسائل الإعلام الأمريكية المساندة لمنظمات المجتمع المدنى فى مصر استخدمت القضية للعب على وتر العلاقات بين القاهرة وواشنطن، فراحت تطالب أوباما بالضغط على مصر، والتهديد بقطع المساعدات العسكرية الأمريكية، وأمور أخرى ما كان ينبغى أن تفرح بها هذه المنظمات، لأنها فى النهاية تضر بمصر ككل، فى حين أن القضية فى الأساس هى قضية خاصة ببعض الأشخاص والمنظمات التى تتلقى تمويلًا من الخارج، ولا تعرف الدولة مصادر إنفاقها، وهل هى مشروعة أم أنها تذهب لجيوبهم ولمشروعات أخرى لا علاقة لها بالتنمية ولا بالإصلاح الديمقراطى الذى ترفعه هذه المنظمات شعارًا لها.
بالتاكيد قضية المنظمات لم تكن الوحيدة التى تسببت فى توتر العلاقات بين القاهرة وواشنطن، فدائمًا العلاقة بين الجانبين لا تسير على خط واحد، بل أنها تأخذ طرقًا معوجة، حتى إن حاول بعض المسؤولين الأمريكيين التقليل من هذه التوترات بتصريحات عامة من قبيل «إن مصر تعمل ضد الإرهاب فى شبه جزيرة سيناء وواشنطن تقف إلى جانبها»، كما قال مؤخرًا وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى الذى أكد أن «مواقف القاهرة مهمة، لأنها تمثل ربع العالم العربى، وهناك الكثير لبحثه مع المسؤولين المصريين.. وتعمل مصر معنا فى مكافحة الإرهاب.. ونعمل على احتواء غزة والتعامل مع حماس وكيانات أخرى.. ومنخرطون فى تحالف ضد داعش والتطرف.. ومصر مفيدة للغاية فى هذا الصدد»، فما قاله كيرى يمكن اعتباره من قبيل المسكنات أو المهدئات التى لم ولن تضع حلًا جذريًا للخلافات القائمة بين الجانبين.
سبب أساسى فى هذه الخلافات ربما يعود إلى تعدد وجهات النظر داخل الإدارة الأمريكية بشأن مصر والتعامل معها، فالخارجية التى يقودها جون كيرى تؤمن بضرورة توثيق العلاقات مع القاهرة، وهو نفس موقف وزارة الدفاع «البنتاجون»، أما مجلس الأمن القومى الذى تديره سوزان رايس، فهو من الجهات التى تتولى التصعيد المستمر ضد مصر، ورايس من الشخصيات القوية داخل إداراة باراك أوباما، ويكفى للتدليل على ذلك أن تشاج هاجل، وزير الدفاع الأمريكى السابق، استقال بعدما فشل فى التصدى ليطوة سوزان رايس فى البيت الأبيض، وتحكمها فى قرارات أوباما.
بالطبع فإن هناك تيارًا فى واشنطن يهمه استقرار الوضع فى مصر، وينظر للقيادة الحالية الممثلة فى شخص الرئيس عبدالفتاح السيسى، أنه الضامن لهذا الاستقرار، وأنه من الضرورى دعمه ومساندته، خاصة فى حربه ضد الإرهاب، ولذلك يعولون على أن يكون الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى هو الآلية التى يمكن من خلالها التوصل إلى حل أو تفاهمات حول النقاط المختلف عليها، وهذه بالطبع رؤية متفائلة جدًا لمجريات الأحداث، لأن هذا الحوار لم ينهِ الخلافات، بل من الممكن القول إنه قام بترحيلها مستقبلاً، ربما انتظارًا لنتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وما ستسفر عنه، وتحديد السيد الجديد للبيت الأبيض.
هناك بالتأكيد مؤشرات على تحسن، لكنه طفيف، ولا يمكن اعتباره جيدًا إلا حينما تصلنا إشارات تدل على ذلك، ومنها على سبيل المثال أن نرى الرئيس السيسى ضيفًا على واشنطن، أو أوباما ضيفًا على القاهرة، لأن تأجيل هذه الزيارات دليل قوى على أن الخلاف ما زال سيد الموقف.