النخبة المثقفة لا تريد الديمقراطية إلا بما يحقق مصالحها
لا أنسى ما قاله ذات يوم المفكر الاقتصادى والسياسى المعروف الراحل الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله، وزير التخطيط الأسبق، فى حوار مطول معه عقب غزو العراق للكويت عام 90 وانقسام المثقفين المصريين والنخبة حول الغزو، وتخوين كل طرف للآخر، مادام اختلف معه فى الرأى فى قضية ما، قال الدكتور إسماعيل: للأسف داخل كل مثقف ديكتاتور وسلطوى كبير، يتحدث كثيرا عن الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير وهو أول من يضيق بالديمقراطية ولا يتحملها. ولا يقبل الخلاف أو الاختلاف فى الرأى، فحرية الرأى يختص به نفسه فقط، وهى أن يتفق معه الآخرون ويؤيدونه فيما يذهب إليه، أما غير ذلك فلا حرية رأى ولا ديمقراطية، لأنه هو وحده الذى يمتلك ناية البيان والحكمة المطلقة والحقيقة كاملة.
هذا ما ينطبق للأسف على عدد من الأصدقاء للأسف، إذا تناقشت معهم واختلفت حول قضايا النقاش والحوار علا صوتهم واتهموك بالتخاذل والتراجع والتنازل عن المبادئ.. و«أنت مش أنت وأنت بتختلف».
أحد الأصدقاء الأعزاء رأى أن أفراد الشعب التى خرجت فى ميادين عابدين والقائد إبراهيم وغيرهم، ورافعين الأعلام ويستمعون إلى الأغانى الوطنية والحماسية فى احتفالات أعياد سيناء بمناسبة 25 إبريل، بأنهم شعب جاهل ومتخلف، ويحتاج إلى توعية وتربية وتعليم ونثقيف، وهو شعب أحمق، لأنه خرج لتأييد النظام والرئيس والجيش، رغم أن الزميل والصديق نفسه وصف الشعب فى وقت سابق هو الشعب العظيم والمعلم والقائد والثورى والواعى عندما خرج فى ثورتين عظيمتين فى 25 يناير و30 يونيو.
لكنه الشعب المتخلف والجاهل الذى لم يتوافق مع تمنيات الصديق العزيز فى الخروج والاستجابة للقوى «الثورية النورية» ضد النظام.
هو الشعب المعلم العظيم عندما يأتى على هوى الصدى، وهو الجاهل «اللى مش متربى»، عندما يخيب ظنه وظنه قواه الثورية.
صديق آخر رأى فى الشعب المصرى أنه شعب غير ثورى، سبحان الله، وحتى يتم «تثوير الشعب وتنويره وتثقيفه نحتاج إلى وقت طويل، وهو نفس الرأى الذى ثار عليه المثقفون والنخبة عندما قاله رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، ونائب رئيس الجمهورية السابق اللواء عمر سليمان».
حالة أخرى لصديق مفترض أنه ناصرى ويرى فى الرموز الناصرية، مثل ابنة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الدكتورة هدى ومدير مكتبه، سامى شرف وزير شؤون الرئاسة، بأن ما يأتيان به مسلم به ولا خلاف حوله، لأنهما من «ريحة الزعيم الخالد»، ويتوافقان معه فى كل ما يؤمن به ويطرحه على الرأى العام، لكن فى مسألة الجزيرتين انقلب الصديق على الفور على الدكتوره الباحثة والمتخصصة، وبعد كل هذه السنوات وبعد أن أعلنت رأيها فى مسألة الجزيرتين بصفتها ابنة الرعيم، اعتمادا على وثيقة سرية عثرت عليها من بين أوراق أبيها، لم تعد فى رأى الصديق هى الدكتورة الباحثة الذى كان يتلهف لقراءة كل حرف تكتبه، وكل كلمة تقولها وكل قصة ترويها عن أبيها وكانت وقتها مصدقة لما تقوله.
الاختلاف فى الرأى والموقف انتقل بالشعب العظيم من خانة العظمة إلى خانة الاستخفاف والجهل. وأنزل الدكتورة هدى عبد الناصر من محراب العلم والبحث إلى فرد مارق من أفراد أسرة الزعيم، ولم تعد دكتورة ولا باحثة ولا يحزنون.
هذه هى آفة النخبة المثقفة للأسف لا تريد الديمقراطية إلا بما يحقق لها مصالحها وتنادى بحرية الرأى والتعبير الذى تراه فقط ويتفق معها، ولا تطيق حرية الاختلاف الذى يختلف معها، إما جاهل أو ناقص التربية أو عميل سلطة أو ضد الثورة الافتراضية، سلطوية وديكتاتورية المثقف والنخبة المصرية تتجاوز أحيانا سلطوية وديكتاتورية الحكام.