من المرات القليلة والنادرة وربما لأول مرة تتعامل السلطات فى مصر باحترافية ومهارة وإيجابية مع حادث أو أزمة، وهو ما حدث فى حادثة اختطاف الطائرة المصرية من برج العرب إلى قبرص.
فلأول مرة نشعر أن هناك عقلا يدير الأزمة ويتحكم فى خيوطها وخطوطها مع الرأى العام الداخلى والخارجى.
الشفافية والوضوح والصراحة والسرعة فى الأدلاء بالمعلومات المتاحة فى كل لحظة من لحظات الأزمة، وتحولت القاهرة إلى محط أنظار وسائل الإعلام العالمية والإقليمية بسبب الأداء المهنى العالى والرفيع المستوى فى فن إدارة أزمة الطائرة المختطفة إعلاميا وأمنيا وإنسانيا.
الكل كان عند مستوى المسؤولية رغم بعض «الهفوات» الإعلامية المعتادة نتيجة التسابق فى الحصول على الأخبار، وهى طبيعة المهنة فى عصر التكنولوجيا وثورة الاتصالات. ولفت انتباهى وزير الطيران المدنى الجديد شريف فتحى الذى لم يكن قد مضى على توليته المنصب الوزارى سوى أيام قليلة، ومع ذلك بدا نشيطا واثقا من نفسه، لم يهتز أو يرتبك أو يتجهم فى تعامله مع وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وظهر كأنه خبير فى إدارة الأزمات والحوادث، لم يخرج عن النص وفقا لمنظومة إدارة أزمة الطائرة، ولم يجتهد أو يتحدث فيما لا يعنيه بعيدا عن اختصاصه وبما يملكه من معلومات متاحة.
وكان نموذجا مشرفا للأداء الوزارى والاختيار الصائب فى هذا المنصب، ساعده فى ذلك خبرته ودوراته التى حصل عليها فى مجال الإدارة والجودة وإدارة الأزمات والمفاوضات بشكل خاص، ومعرفته بكيفية التعامل مع الإعلام الغربى بسبب خبرته فى المناصب الدولية المتخصصة فى الاتحاد الدولى للنقل الجوى «إياتا» وفى الخطوط الجوية الهولندية والأميريكة، ثم توليه الشركة القابضة للطيران لتنفيذ خطة إنقاذها من خسائرها البالغة 11 مليار جنيه منذ 25 يناير 2011.
بالمناسبة لا أعرف الوزير شريف فتحى ولا تربطنى به سابق معرفة، ولكنى وجدت أخيرا نموذجا مصريا مسؤولا يعرف كيف يتعامل مع الأزمات، دون خوف، ودون هروب من المسؤولية والمواجهة، فوجب الإشادة به.
ومثلما اتهمنا الحكومة بالتقصير فى إدارة أزمة مقتل الطالب الإيطالى ريجينى، وفى أزمات داخلية أخرى مثل أزمة مياه الأمطار وغيرها، فالواجب الإشادة بها فى أزمة الطائرة.
هذا النموذج هو ما نريد أن نبنى عليه فيما هو مقبل من أزمات، فلسنا أقل من دول أخرى، تبنت فنون إدارة الأزمات بالتخطيط والدراسة والاستعداد العملى وواجهت أزماتها بثقة وثبات وبشفافية ووضوح وصراحة وسرعة، وشكلت فرق أزمة وعمل «للاستعداد لما قد يحدث والتعامل مع ما حدث». وهذا هو ملخص فن إدارة الأزمة.
فالتعامل مع الأزمة يرسخ تقدم الأمم بالاعتماد على الكفاءات والخبرات العلمية والعملية وفقا للبناء الهرمى فى القيادة خلال الأزمات، ودون فلسفة أو اجتهاد، أو ارتجال وعشوائية من أحد.
ولا عيب أن نتعلم من تجارب من سبقونا، وكيف أداروا أزماتهم الداخلية والخارجية بتضافر كل الهيئات والوزارات والجهات المعنية، سواء فى الداخل أو الخارج، بالتخطيط والدراسة والاستعداد حتى لا نفاجأ بالأزمة، ونترك إدارتها بين أيادى وعقول خارجية متربصة ومتحفزة.
التعامل مع الأزمات وفن إدارتها يكشف مدى قوة وقدرة الدولة على التعامل الصحيح فى الوقت المناسب لتقليل المخاطر، ومدى قدرتها على تجاوز تلك الأزمات. وإذا نجحنا فى إدارة الأزمات المقبلة فسوف ننجح أيضا فى إدارة مشروعاتنا بالتخطيط وبالكفاءة والتخصص والاستعداد السليم لتحقيق النجاح والإنجاز. وهذه هى العقلية الجديدة التى نرجو التعامل بها والبناء عليها فى كل أزماتنا ومشاكلنا وليس فى الأزمات الطارئة فقط.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة