يقترب عمر هذا الحديث من العام، وفى الحقيقة فإننى أجلته طول هذه المدة "إكراما" لذكرى الخال ومراعاة لفرحة السيدة المتفانية "نهال كمال" وآية ونور ابنتى الراحل الكبير اللاتى حرصن على حضور الاحتفال بافتتاح "متحف السيرة الهلالية – عبد الرحمن الأبنودى" ورأين فيه بعض المواساة بعد وفاة الخال بأيام، وكان من الصعب ـ أدبيا - أن ألقى بالتراب على هذا الحدث وأن أهدم فرحة عائلة "خالنا" بالمتحف الذى يخلد اسم الراحل الكبير، ومع هذا بقيت هذه الوقائع فى ذاكرتى كدليل حى على بلادة المسئولين المرضى بالافتتاحات دون أن يؤدوا واجبهم على الوجه الأمثل أو حتى على أى وجه كان.
المتحف فى مجمله لا يرتقى لأن يحمل وصف "متحف" وبالطبع لا يرتقى ليحمل اسم الأبنودى، فما به من "مواد متحفية" شحيح، فليس به إلا "قميص وبنطلون" كان يرتديهما الأبنودى، وبعض صور فوتوغرافية مطبوعة، لا تصلح للعرض المتحفى يتصدرها "بورترية" نحتى بائس غاية فى السوء من خامة البوليستر لرجل لا يشبه الأبنودى من قريب أو بعيد، وحينما سألت عن المواد المتحفية قالوا لى إن هناك بعض مسودات الأبنودى بخط يده وبعض شرائط الكاسيت الأصلية موضوعة فى قاعة أخرى، ولما دخلنا القاعة الأخرى وجدناها "متر فى متر" وبها فاترينة أسوء من فاترينة البسبوسة التى تباع فى الشارع، وبها بضع دوسيهات ملقاة فى قعرها، ولما تأملت هذه الفاترينة وجدت أن إغلاقها لم يكن محكما، وهو ما يسمح بأن يدخل إليها الحشرات والأتربة ويعرض المسودات للتلف، ولما تأملت أكثر وجد "برصا" حقيقيا يتحول فى الفاترينه وكأنه يحتفل معنا بالحدث، وهو بالطبع ما سبب إحراجا كبيرا لوزير الثقافة وقتها الدكتور عبد الواحد النبوى ورئيس قطاع الفنون التشكيلية وقتها الدكتور حمدى أبو المعاطى مرددين أن الأبراص متواجدة بكثرة فى القرية ومن الصعب أن السيطرة عليها، وهو بالطبع كلام لا يقنع أحد.
ما عدا هذا لا يوجد شىء فى "المتحف" يخص الأبنودى ولا حتى السيرة الهلالية، وللأسف فقد وقعت هذه المنشأة ضحية للصراع بين صندوق التنمية الثقافية وقطاع الفنون التشكيلية حتى انتصر قطاع الفنون التشكيلية واستحوذ على المبنى، مخرجا إياه بهذا الشكل البائس، وللأسف أيضا فإن الاستعجال لم يمهل القطاع المسئول عن الفن فى مصر أن يستبدل حتى ذلك البورتريه اللقيط الذى وضعوه فى الصدارة، وللأسف "ثالثا" فإن ذكرى الأبنودى تحل هذا العام بالتوافق مع ذكرى احتفال بريطانيا بمرور 400 عام على رحيل شكسبير الذى احتفل به الشعب البريطانى احتفالا أسطوريا ومشوا إلى مسقط رأس الكاتب المسرحى بوسط لندن وطافوا فى شوارعها مرتدين أقنعة بملامح "شكسبير" مرتدين ملابس لأشهر شخصياته، عارضين مجموعة من مسرحياته فى الشوارع، تمجيدا لروح الكاتب الراحل، والمقارنة بين الاحتفالين لا تظلم الأبنودى بالطبع الذى يحتل المكانة الأكبر فى وعى الشعب المصرى ووجدانه، لكنها تؤكد على أن الدولة التى لا تحترم رموزها هى دولة فاقدة الأهلية ناقصة الكفاءة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة