انتهى عهد تصديق وكالات الأنباء الغربية
هل تذكرون فضيحة وكالة رويترز للأنباء التى بثت خبرا عن اعتراف مصدر أمنى مصرى باحتجاز جوليو ريجينى فى قسم الأزبكية وما تلا ذلك من هروب مدير مكتبها فى القاهرة بعد انكشاف الفضيحة وتقديم بلاغ ضده؟ ها هى ثانى كبرى وكالات الأنباء فى العالم تسقط بدورها فى فضيحة تلوين الأخبار وتوجيهها لخدمة التوجهات السياسية لبلادها ببجاحة منقطعة النظير، فقد بثت وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية خبرا عنوانه «مصر تسعى لتحويل الاهتمام إلى مقتل مواطن مصرى فى لندن»، مما يعنى الاتهام الصريح لمصر باستغلال قضية مقتل المهندس شريف عادل حرقا فى العاصمة البريطانية سياسيا، وإذا نظرت فى الخبر بعد هذا العنوان الصادم مهنيا والساقط أخلاقيا، تجد صياغة الوكالة التى تبث بكل لغات العالم تبدأ على النحو التالى: «بعد أن وضعت تحت المجهر فى أوروبا بسبب تعاملها مع قضية تعذيب وقتل طالب إيطالى فى القاهرة، تسعى السلطات المصرية إلى تركيز الاهتمام على مصير مصرى مات فى حريق فى لندن.
هل رأيتم كذبا أوقح من ذلك؟ هل شريف عادل مات فى حريق فى لندن، أم مات بعد أن استدرجه مجهولون لأحد الجراجات العمومية وأحرقوه عمدا مع سبق الإصرار والترصد؟ وهل هذا خبر أصلا تبثه وكالة عالمية كبرى، أم عريضة اتهام يقدمها محام فى محكمة؟ هل هذا خبر يقوم على حدث أو معلومة أو تصريح من مصدر مهم أم مجرد توجيه سياسى مغرض فى حرب معلنة؟!
من المصدر المسؤول الذى يلقى هذا الاتهام المرسل الذى يحاسب عليه القانون؟ وما الحيثيات التى يستند إليها لتوجيه مثل هذا الاتهام الخطير لمصر؟ وهل تنشر الوكالة اتهامات وتوجيهات سياسية أم أخبارا وفق القواعد المهنية المنصوص عليها مع أعلى درجات الموثوقية والمصداقية وعبر التحقق من أكثر من مصدر؟!
وإذا كانت قواعد الخبر الخمس كما تعلمناها وعلمناها هى تقديم إجابات عن 5 أسئلة: من «الفاعل أو المصدر» وماذا «الحدث نفسه أو موضوع الخبر» ومتى «زمن الخبر» وأين «مكان الحدث أو موضوع الخبر» ولماذا «أى الأسباب التى أدت للحدث»، فما الذى يتوفر من مقومات الخبر كما يفهمه الصحفيون فيما بثته أسوشيتدبرس؟ الإجابة لا شىء، لأن هذه الوكالة الأمريكية وغيرها من الوكالات الغربية مجرد واجهة لأجهزة المخابرات تخدم على السياسات وتقود حروب المعلومات الحديثة.
وحتى على المستوى السياسى البحت الذى تتناوله صياغة الأسوشيتدبرس الموجهة، هل مطلوب من السلطات المصرية والصحافة المصرية وعموم المصريين أن يتغاضوا عن مقتل مصرى فى لندن أو فى أى بقعة من العالم بهذه الطريقة البشعة؟! هل المطلوب أن نخرس ونلتزم الصمت عندما يكون لنا حق يجب المطالبة به وكرامة يجب الدفاع عنها، بينما نعطى للآخرين حقوقهم أضعافا مضاعفة؟! بل ونتغاضى عن تجاوزاتهم فى حقنا؟ وهل دماء المصريين رخيصة ولا تستحق الالتفات بينما دماء الأوربيين ملكية زرقاء وتقوم من أجلها الدنيا ولا تقعد؟!
على أى مستوى من المستويات، لا يمكن القبول بالجرائم المهنية والأخلاقية التى ترتكبها وكالات الأنباء الغربية، إلا باعتبارها جزءا من المؤسسات الاستخباراتية والسياسية لبلدانها ويتم النقل عنها ومواجهتها بناء على هذا الفهم، أما ما دون ذلك كأن نعتمد على ما تبثه الوكالات باعتباره معلومات يقينية لها مصداقية الحقيقة، فيمكننا القول بكل وضوح إن هذا الفهم المثالى والساذج لطبيعة عمل الوكالات الغربية انتهى تماما ولم يعد بالإمكان التسليم بما تبثه إلا بعد الفرز الدقيق والتمحيص.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة