التطرف هو موقف المجاوز للحد، المثير للاستغراب، الجاذب للدهشة والالتفات، ليس التطرف موقفًا يتسم به المتدينون فقط، أولئك الذين يبالغون فى التمسك بما يعتبرونه هديًا ظاهرًا من السنة، كتقصير الجلباب والاكتحال وتطويل الشعر، أو اعتبار المجتمعات الموجودة اليوم مجتمعات جاهلية لأنها لا تعيد إنتاج نفس العلاقات القديمة التى كانت قبل سقوط الخلافة الإسلامية، كما أن مقولات فقهية تضمنتها كتب الفقهاء القدامى من مثل إرضاع الكبير أو تزويج الصغيرات كانت قد اعتبرت غير مناسبة للعصر.
التطرف قد يكون سياسيًا كتبنى أيديولوجيات عنصرية ضد جنس معين أو دين معين وتغذية الروح العنصرية لدى الشعوب كما حدث مثلاً بالنسبة للنازية التى اعتبرت غير الجنس الآرى مستحقًا للاستبعاد والكراهية والتمييز بما فى ذلك استخدام المحارق ضد الغجر واليهود وغيرهم من الجنسيات التى لا تتمتع بالنقاء، وعادة ما يقود ذلك التطرف السياسى ذلك إلى شن الحروب وإدخال العالم فى مزالق الدمار.
والكثير من الحروب الطائفية التى نراها اليوم فى عالمنا العربى تقوم على أفكار متطرفة سياسيًا، فالشيعة وميليشيات الحشد الشعبى هى تعبير عن تطرف فى مواجهة السنة فى الفلوجة الذين يواجهون حصارًا يصمت عليه العالم ويغض الطرف، ذلك أن الحشد الشعبى الشيعى يظن ويعتقد أن السنة هم أعداؤه وأن جميعهم حاضنة اجتماعية لداعش، بيد إن داعش هو المثال المتحقق الأعلى للنموذج المتطرف على المستوى الفكرى فهو يرى العالم كله بما فى ذلك المسلمين كفارًا يجب قتالهم، واتباع منهجة فى الاعتقاد، ومن يخالفه فإنه يقتله، كما أنه يرى العالم إما مؤمن وإما كافر، ويقسم العالم على أساس عقيدته وليس على أساس المصالح والمواقف السياسية والاجتماعية، ومن ثم فإنه لا يعترف بمعنى مدنى أى المواطن الذى لا علاقة له بالحروب ولا هو مشترك ولا ضالع فيه، وإنما هو يقول الناس بين محارب كافر، وبين مسلم موالى هم جماعته، ولذا يشن حربه على فرنسا وبلجيكا ويستهدف مدنيين بالأساس.
فى وسط ذلك الخضم الهائل الذى يعيشه عالمنا العربى يخرج علينا علمانيون أصوليون متطرفون يقولون إن الرؤيا التى رآها سيدنا إبراهيم عليه السلام هى كابوس وأنه الرجل الصالح وأن مذبحة كبيرة يقيمها المسلمون كل عيد أضحى للحيوانات البريئة، أو أن يشن أولئك المتطرفون الأصوليون هجمة على الإسلام فيعمدون إلى تبديد يطلقون عليه اجتهاد ويتجهون أول ما يتجهون إلى ما يعتبره المسلمون مقدسا فيذهبون يشنون حملاتهم عليه، فأمير الحديث وعالمه الأكبر هو محمد بن إسماعيل البخارى وكتابه هو أصح كتب الحديث والسنة، والسنة هى شارحة للقرآن الكريم وهى مفسرة له إلى حد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه" أى السنة المطهرة، وقد ظهر قرآنيون يقولون مالنا وللسنة نحن فقط قرآنيون، ويخرج من يقول إن القرآن المقدس عند المسلمين هو نص تاريخى، متأثرًا فى ذلك بالدراسات الاستشراقية ومناهجها التى تقوم على نقد الكتب المقدسة فى الغرب التوراة والإنجيل.
التطرف الأصولى العلمانى الذى لا يحسن الإبداع إلا فيما يتصل بالدين ومقدسات المسلمين وحرماتهم، هو الذى ينتج التطرف الداعشى، فالعلمانية الأصولية التى لا تريد للإسلام أن يكون محترمًا وحاكمًا ومؤثرًا فى الحياة والوجود هى التى تنتج التطرف الداعشى، ومع أننى لست مع حبس أى واحد يعبر عن رأيه بالفكر، بيد إن قومًا آخرين حين يرون ما يعتبرونه عدوانًا على مقدساتهم فإنهم يهيجون ويتعصبون ويتطرفون ويذهبون من بعد إلى العنف، كما حدث من قبل مع حالة فرج فوده الذى عبر عن التطرف الأصولى العلمانى فى أقصى صوره.
نريد كلمة سواء فى هذا المجتمع يحترم فيه كل صاحب قلم أو فكرة دين المسلمين وغير المسلمين معًا، ومن يريد إبداعًا فعليه أن يبدع بعيدًا عن التعرض لمقدسات المسلمين، ليس معنى أننا نقول إن الإسلام لا يعرف كهنوتًا ولا وصاية من أحد على الآخرين أن يترك أمره سداحًا مداحًا، يتصوره كل مستهتر، أو متجرئ أو متشرد أو مغترب أو ضائع.