الخلاصة أن «أبوالغار» سيبقى رمزا وطنيا مضيئا
يمكن للبعض أن يضع الدكتور محمد أبوالغار فى قفص الاتهام بعد الإجابة عن سؤال: «ثورى أم غير ثورى؟»، فلو كانت الإجابة بأنه ثورى سيكون نصيبه التقطيع من المعسكر غير الثورى بكل أطيافه، بدءا من الإصلاحيين الذين يعارضون نظام مبارك وسياساته، وانتهاء بـ«آرامل مبارك» و«آسفين يا ريس»، ولو كانت الإجابة بأنه غير ثورى، سيكون تقطيعه من يرى فى نفسه ثوريا إلى آخر مدى.
يحدث ذلك كلما استدعى البعض شخصية الدكتور محمد أبوالغار بمواقفه، ويقوم بتحليلها وتقييمها وفرزها، وأكثر ما يلفت الانتباه فى ذلك، أنك ستجد مواقف غزيرة وكتابات كثيرة للرجل تحيلك بلا تردد إلى أنك أمام رجل ثورى وصاحب مواقف جذرية لا تردد فيها، وفى نفس الوقت يمكنك أن تجد مواقف وكتابات أخرى له، تضعك أمام رجل يبدو أنه يرجع خطوة إلى الوراء بدلا من القفز خطوتين إلى الأمام.
بين هذا وذاك يبقى الدكتور محمد أبوالغار هو محمد أبوالغار الذى تجده ثوريا فى مقام وإصلاحيا فى مقام، وفى المجمل وطنى بامتياز، لم يتخلف مثلا عن ركب معارضة نظام مبارك واستبداده، وكان القائد لحركة 9 مارس فى الجامعات المصرية التى جمعت أساتذة الجامعات لمقاومة الفساد فى الجامعات والنضال من أجل حريتها واستقلالها، واختارت الحركة سكة القضاء للحصول على حكم ببطلان الحرس الجامعى، وكان نصيب رموز الحركة، وعلى رأسها الدكتور عبدالجليل مصطفى، الاعتداء عليهم أثناء زيارة لهم لجامعة عين شمس وقت رئاسة الدكتور أحمد زكى بدر لها، وتم استخدام أحط أنواع الهجوم عليهم، وكان هذا الحدث ضمن الأبواب المغلقة التى تم فتحها للمرور على طريق ثورة 25 يناير، وتزامن ذلك مع وجوده فى حركة كفاية التى كانت عابرة للأحزاب ورفعت شعار: «لا للتمديد، لا للتوريث».
وإذا اعتبرنا أن الانفجار الشعبى الذى حدث فى 25 يناير هو عبارة عن تراكمات كانت تتواصل كل يوم، سيكون «أبوالغار» بدوره ممن وضعوا شيئا فى هذا التراكم، واستكمله بمعارضة حكم الإخوان، وذلك رغم ما يمكن أن يراه معسكر الثوار بأن هناك مواقف ليست على ما يرام قبل الثورة، ويمكن لنفس المعسكر ألا يعجبه أيضا مواقف ما اتخذها بعد الثورة «من 25 يناير وحتى الآن»، غير أن هذا يبقى نوع من «حساب التجزئة» الذى يليق بالمعاملات التجارية، لكنه لا ينفع فى كل الأحوال مع المعاملات السياسية، ومراجعة كل مواقف رموز الثورات فى تاريخ الإنسانية ستجد فيها «حساب التجزئة» الذى سيؤدى إلى نتيجة، و«حساب الجملة» الذى سيؤدى إلى نتيجة قد لا تتفق مع»حساب التجزئة».
لو قرأت مثلا مقاله «حزين عليك يا وطنى» المنشور فى الزميلة «المصرى اليوم» «7 مارس الماضى» ستجده قمة المعارضة الجذرية للنظام الحالى وقوله الدال على ذلك: «أنا يائس من عمل أى شىء لهذا البلد الجميل، الذى أراه ينهار أمامى، ولا أستطيع أن أفعل شيئا، ولن أختم مقالى بعبارة قوم يا مصرى، لأنه من الصعب أن يقوم المصرى أو يجلس أو حتى ينام»، وفى مقاله التالى «تبعات حزين عليك يا وطنى» المنشور يوم «14 مارس»، يقدم 8 خطوات كنصائح النظام الحالى كى يستطيع المصرى أن يقوم حين تناديه مصر.
يمكن لمعسكر الثورة المعارض للأوضاع الحالية أن يرد عليه بمقالات أخرى أو مواقف لا تتوهج فيها روحه الثورية، كما يمكن للمعسكر المؤيد أن يرد عليه بمقالات ومواقف مؤيدة للنظام الحالى، لكن سيكون ذلك بمثابة «حساب التجزئة»، وتغييب الضمير.
الخلاصة أن «أبوالغار» سيبقى رمزا وطنيا مضيئا، وأكتب هذه الكلمات بمناسبة تركه لرئاسة الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى الذى أسسه بعد ثورة 25 يناير، وانتخاب فريد زهران رئيسا جديدا له.