حمدت الله على أن الوفد الذى سافر إلى روما، لم يسأل الدكتور رفعت السعيد رئيس المجلس الاستشارى لحزب التجمع عن رأيه أو بالأدق معلوماته عن مقتل الشاب الإيطالى ريجينى، سألت عن هذا فتأكدت أن كل الوسائل التى تقدم بها «السعيد»، من أجل لفت الأنظار إلى أن لديه معلومات خطيرة بخصوص القضية لم تفلح، وبالتالى قرر أن يذيعها على الهواء مباشرة حتى تصل إلى من يعنيهم الأمر، وذلك لإنقاذ مصر من ورطتها الكبيرة منذ مقتل «ريجينى»، واستمرار الحكى أو بالأدق «العك» فى سيناريوهات قتله، ومن ضمنها «سيناريو السعيد».
سيناريو «السعيد» حسب قوله فى إحدى القنوات الفضائية، إن «ريجينى «كان أحد رجال المخابرات الإيطالية ولم يكن طالبا عاديا، وربما يكون الإخوان وراء مقتله من خلال اختراق بعض الأجهزة المصرية لوضع مصر فى هذا المأزق، وأن بعض القنوات الإعلامية والجرائد تضعنا فى مأزق بسبب تأكيدها على اتهام مصر بقتل «ريجينى».
هكذا أنهى «السعيد» القضية وبكل بساطة، فالمتهم جاهز وهو «الإخوان»، وتلك مسألة عند البعض لا يجوز فيها وجهات نظر، واللافت أن هذا السيناريو تحديدا لم يتم اعتماده من قبل الأجهزة الرسمية عكس ما هو متوقع، غير أن «السعيد» يصر عليه، ربما للفت الأنظار نحوه، خاصة أنه يقول كلاما كثيرا منذ سنوات دون أن يحرث شيئا.
كلام «السعيد» يحيلنا إلى نوع من السياسيين بنوا سمعتهم التاريخية على أنهم معارضين، حتى استيقظوا ذات صباح فقرروا أن المعارضة لم تعد مهنة مريحة، وبناء عليه أصبحوا يقدمون آراء واجتهادات جديدة يمسحون بها ماضيهم تماما، وحتى يمرروا جديدهم يتشدقون بـ«الدولة الوطنية» و«الأمن القومى»، و«حتمية الظرف التاريخى» وغيرها من الأكليشيهات التى يقولها «اليمين» و«اليسار» و«الوسط»، لكن يبقى المعنى الحقيقى لها فى بطن الشاعر، ولو دققنا فى كلام رئيس المجلس الاستشارى لحزب التجمع حول «ريجينى» طبقا لنظرية «المعنى فى بطن الشاعر» سنجد أنه يقول لأجهزة الدولة: «أنت وجعين دمغاكم ليه، اعتبروا ريجينى جاسوس، واللى قتله إخوان»، وبهذا الوضع سيكون انتصر لـ«الدولة الوطنية» و«الأمن القومى» و«حتمية الظرف التاريخى» وغيرها من الأكليشهات الواجب استحضارها فى مثل هذه الظروف الصعبة.
يفتح لنا كلام «السعيد» المجال واسعا أمام تأمل حالة قطاع من النخبة التى لم تعد لها وظيفة، غير البحث عما يريح الحاكم، أى حاكم، وتوظيف قدراتها فى وضع النظريات لأجل ذلك، فى الوقت الذى تتصور فيه «أجهزة الحاكم» أنها حققت فتحا مبينا، لأنها استطاعت قلب حال هذه النخبة بتحويلها من «معارضين» إلى مؤيدين، وأن ذلك سيسهم فى إقناع الناس بأنه لا جدوى من المعارضة، ولوعدنا مثلا إلى قضية «ريجينى» كنموذج سنجد فيها مساخر عديدة، أقلها ما ذكره «السعيد» بأن بعض القنوات الإعلامية والجرائد تضعنا فى مأزق بسبب تأكيدها على اتهام مصر بقتل «ريجينى»، فالرجل هكذا لم ير مشكلة فى موت أجنبى على أرض مصر بالطريقة التى مات بها «الشاب الإيطالى»، ويتجاهل أن ألف باء التعامل فى مثل هذه الظروف هو ضرورة التوصل إلى المتهم ليس من أجل عيون «الضحية»، وإنما من أجل الحفاظ على هيبة الدولة التى وقع على أرضها هذا الحدث، وفى حال عدم تحقيق ذلك، فإنه ليس من الطبيعى توجيه ملامة لقناة فضائية أو جريدة تجتهد فى الحدث.
كلام «السعيد» يبدو فى أحد معانيه أنه لا يصدق أن هناك دولة فى العالم تحترم مواطنها إلى الحد الذى تصر فيه على معرفة حقيقة مصيره الغامض.