ينظر الطفل إيلان من عالمه الآخر.. يسمع أصوات استغاثات وأنين الأطفال فى حلب تحت وطأة نيران القصف الشديدة، هى ذاتها نفس الأصوات التى سمعها من قبل حين غرق هو وشقيقه وأمه بين عشرات الغرقى الفارين من جحيم سوريا إلى جحيم التشرد.
تقع عيناه على تلك الرضيعة التى ينسحق جسدها الصغير تحت الأنقاض بين مئات الأجساد نتيجة للقصف الذى تعرضت له حلب مؤخرًا، لم تلفظ الصغيرة أنفاسها الأخيرة بعد.
يستمع إيلان إلى صوت أنينها الضعيف قبل الموت، تقترب روحه منها ليواسيها، يمد يده ليمسك بيديها الصغيرة، فترفع الرضيعة إصبعها لتشير إلى السماء، يهمس فى أذنها قائلاً: "تعالى يارفيقتى لا تنظرى إلى هذا العالم الحقير الذى لم ينظر إلينا، ونظر فقط كل أطرافه إلى مصالحهم بينما يسحقون أجسادنا الصغيرة الضعيفة، اطمأنى وأهدئى فأنت على مشارف عالم جديد جدير بى وبك، تعالى معى لتشتكى إلى الله مثلى من ظلم الحكام وتصارع المصالح وقسوة القلوب التى استخدمت أجسادنا حتى بعد قتلنا لتتاجر بصورنا ويدلل كل طرف على ظلم الأخر بينما جميعهم ظالمون".
تفتح الرضيعة عينيها لآخر مرة فى حياتها فيقول لها إيلان: "لا تنظرى يا صغيرتى إلى هذا العالم فإنه لا يستحق حتى نظرتك البريئة، لا تستمعى حتى إلى عبارات التنديد والشجب التى يطلقها الجميع وكلهم شركاء فى قتلى وقتلك، أرواحنا رخيصة بالنسبة لهم لا تساوى المئات منها روحًا واحدة لأحد الضحايا من أبناء دولهم المتقدمة التى تقيم مجدها وتعلى مصالحها فوق جثث أمثالنا من الضعفاء، لا تصدقى حتى بيانات الشجب والمناشدة التى طالما سمعتها قبل موتى من المشايخ والقساوسة يعبر كل منهم عن استنكاره ومناشدته للقوى والمؤسسات الدولية والعالمية للتحرك لإنقاذنا بينما يقف العالم العربى والاسلامى والمسيحى متفرجين يحتفلون بالأعياد، ويكتفون ببيانات المناشدة والتنديد التى لم تنقذنى أو تنقذ آلاف الأطفال الذين ماتوا قبلى وسيموتون بعدى وبعدك، فحلب البائسة لا تناشد أحدًا إلا الله".
تغمض الصغيرة عينيها ويمسح إيلان على كتفها قائلاً: "لا تفزعى من مشاهد الدماء حولك، ولا تخافى من تلك الدماء التى تغطى وجهك الجميل فهى شاهدة على حقارة هذا العالم وضعف وخسة من قتلك وقتلنى، اتركيها سيمسحها رب العرش العظيم".
تنطلق دمعة فضية من عينيى الرضيعة متسائلة: "ألا يحزن أحد من أجلى فى هذا العالم الذى يرانى وأنا أنزف وأتألم وأموت".
فيبكى إيلان تأثرًا ويقول: "هناك الكثيرون يحزنون ويبكون من أجلى وأجلك ولكنهم ضعفاء مثلى ومثلك لا يملكون لنا نفعًا وسيستمر نزيف دمى ودمك ودماء غيرنا من الضحايا حتى يأتى اليوم الذى يقوى فيه هؤلاء الضعفاء".
تستكين الصغيرة وترفع إصبعها على السماء بينما يمسك إيلان بيدها الأخرى وينطلقا نحو عالم آخر أفضل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة