قضيت أربعة أيام فى الكويت الشقيقة، كنت مدعوا لحضور ملتقى الإعلام العربى الذى يشرف عليه الصحفى الكويتى ماضى خميس، ولأن عدد العاملين المصريين فى الكويت يبلغ نحو 700 ألف وأكثر، فكان من السهل أن أقابل مصريين فى كل مكان، قابلت شخصيات تعيش هناك منذ ما يقرب من 40 عاما، وقابلت آخرين لم يمر على سفرهم أكثر من شهور.
الجميع اضطرته الظروف إلى البحث عن لقمة العيش الحلال فى هذا البلد المشهود بكرمه وانضباطه ووعيه، ووقوفه إلى جانب مصر فى كل الأوقات دون صخب وضجيج، ولهذا يحظى بمحبة المصريين، ويزيد منها أيضا قدرة حكامه على التعامل بوعى كبير مع القضايا المثارة، سواء على الصعيدين الداخلى والخارجى.
طغى على مقابلاتى للمصريين بوحهم عما فى صدروهم، وفى البوح شوق للأهل، وحلم بالعودة على أن يجدوا فرصة عمل، وأسئلة لم تنته عن: إلى أين نحن ذاهبون؟، ومتى تنتهى المشاكل فى مصر؟ ومتى سينتهى الإرهاب؟، وماذا عن حقيقة جزيرتى تيران وصنافير؟، ولماذا يرتفع سعر الدولار وينخفض الجنيه المصرى؟، وهذه القضية تحديدا أكثر ما يشغلهم، لأنها تشكل عبئا كبيرا عليهم، وليس صحيحا أنهم مستفيدون على أساس أن العملة التى يتقاضون بها راتبهم وهو الدينار الكويتى ترتفع قيمته أمام الجنيه المصرى، فالغلاء فى مصر المترتب على ارتفاع سعر الدولار يمتص كل مدخراتهم فى حال رغبتهم فى شراء أى شىء كعقار أو أرض، أو حتى إقدام شاب على تجهيز نفسه للزواج، سواء احتاج فى ذلك تأجير مسكن أو شرائه أو تجهيزه.
بالطبع هناك مشاكل تتعلق بطبيعة العقود لدى بعض الفئات، وكان هذا محور مناقشة لى مع المستشار جمال سيد أحمد، رئيس مكتب التمثيل العمالى بسفارتنا، واستمعت إلى شهادات إيجابية فى حقه، وعن نشاطه اللافت فى التصدى لحماية حقوق العمال المصريين هناك، وتحدث عن محاولاته فى تعديل العقود بشكل يتناسب مع طبيعة العمل الذى سيشغله أى مصرى يتم التعاقد معه، وشدد على أن عقد العمل الموحد سيقضى على الكثير من المشاكل فى هذا الجانب، وأشاد بتعاون الجهات الكويتية فى التصدى لأى مشكلة خاصة بالعمالة يتم رفعها هو إليهم.
كان حديث الجميع معى يحمل توصية تصل إلى حد الرجاء بأن أقوم بالكتابة الصحفية عنهم، هم يحملون كل التقدير والشكر إلى الكويت التى يعملون فيها، لكنهم فى نفس الوقت يستعجلون اليوم الذى يعودون فيه للاستقرار فى بلدهم، وبناء على هذا الحلم فإنهم كانوا يطلبون منى تصدى الصحافة لكل أنواع الفساد فى مصر، وتقديم حلول إيجابية لمشكلة البطالة، وحل جذرى لمشكلة البناء على الأراضى الزراعية، ومواجهة الغلاء، وفضح المحتكرين للسلع والذين يتحكمون فى الأسعار.
بدت هذه المطالب وكأنها استعجال للعودة، وعبرت عن أن الذين يعيشون هناك يشغلهم بالتأكيد كل تفاصيل الحياة فى مصر، يشغلهم ارتفاع أسعار الكهرباء والمياه والبنزين والسولار، يشغلهم ارتفاع أسعار الأرز والخضراوات واللحوم والفواكه، يشغلهم المستقبل بكل احتمالاته، لكن اللافت أنهم طلبوا منى الكتابة فى الصحافة عن كل هذا، قالوا ذلك بإيمان منهم أن الصحافة هى القادرة على استعادة الحقوق، وإنصاف المظلوم، وأنها الجهة التى تفضح الفساد والفاسدين، وأنها التى تضع نفسها فى النيران من أجل تحقيق رسالتها، لم يشر أحد منهم إلى أن الصحفيين على رأسهم ريشة، أو أنهم يحصلون على امتيازات، بل يؤمنون بأن الصحافة بها من القوة ما يجعلها تعبيرا عن قضايا المجتمع.