من يحاسب نتنياهو على كذبه؟.. صباح أمس الأول الثلاثاء وقف، رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، أمام حشد من المحتفلين بذكرى موظفى وزارة الخارجية الإسرائيلية الذين قتلوا خلال مهمات فى الخارج، وقال إنه هدد بإرسال قوات إلى القاهرة فى 2011 لإخراج الموظفين المحتجزين داخل سفارة إسرائيل خلال محاصرة المبنى من جانب محتجين، وقال وفقاً لما نقلته عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية «هنا، قبل عدة سنوات، فى غرفة العمليات فى وزارة الخارجية، تعاملنا مع حصار اشتد حول موظفينا فى سفارة إسرائيل فى القاهرة».
وأكمل نتنياهو روايته بقوله «وصل حشد هائج لذبحهم وفى تلك الليلة عملنا بكل الأدوات المتاحة بما فيها التهديد بإرسال قوات الدفاع الإسرائيلية لإخراجهم، الأمر الذى جعل الكفة تميل لصالحنا.. أن القوات المصرية.. ومع التنسيق من جانبنا، كانت النتيجة ناجحة»، فى إشارة إلى أن مصر لم تتحرك وتؤمن العاملين فى السفارة إلا بعد تهديده.
بالتأكيد كلنا نعرف عما يتحدث نتنياهو، هو يتحدث عن حادث اقتحام السفارة الإسرائيلية فى سبتمبر 2011، حينما دخل عدد من المتظاهرين السفارة وألقوا بالوثائق التى بداخلها من الشرفات وقاموا بتمزيق العلم الإسرائيلى، قبل أن تدخل قوات خاصة مصرية وأخرجت ستة حراس محتجزين داخل مبنى السفارة، وفى اليوم التالى أجلت إسرائيل سفيرها بالقاهرة إسحاق ليفانون، ومعه عدد من موظفى السفارة وعائلاتهم.
الغريب أنه بعد أن ساعتين من تفاخر نتنياهو بتهديداته للقاهرة، أصدر ديوان رئيس الوزراء توضيحاً لما قاله نتنياهو، وأشار هذا التوضيح إلى أن «سياسة إسرائيل الثابتة تنص على وجوب الدفاع عن مواطنى الدولة الذين يتعرضون للتهديد فى كل مكان»، وأشار رئيس الوزراء فى أقواله إلى احتمال القيام بعملية منسقة مع الجانب المصرى وليس من طرف واحد، وأعرب نتنياهو عن سروره لعدم الاضطرار للقيام بمثل هذه العملية إذ إن قوات الأمن المصرية قد تعاملت مع الأزمة بمسؤولية كاملة ونحن نشكرها على ذلك، وأكد رئيس الوزراء أنه يثمن كثيرا العلاقات مع مصر، مشيرا إلى أن معاهدة السلام الموقعة بين البلدين تشكل ركنا مهما لدعم الاستقرار فى المنطقة».
توضيح ديوان رئيس الوزراء كشف كذب نتنياهو الذى أراد الظهور وسط الجميع على أنه ذلك البطل المغوار المستعد لحماية الإسرائيليين حتى على أراضى دول أخرى ومنها مصر، لكنه وقع فى خطأ كبير، خاصة أن قال كذبته وسط شخصيات كانت تدير الأزمة، وكانت تعرف أن ما قاله نتنياهو لم يكن لتقبله القاهرة أبداً، حتى وإن كانت ظروفها السياسية وقتها ليست بالقوة التى تسمح لها بمواجهة إسرائيل، فالإسرائيليون هم أول من يدركون كذب رئيس حكومتهم، وليس أدل على ذلك من تعليقات وسائل الإعلام الإسرائيلية التى شككت فى ادعاءات، نتنياهو، بتهديده بإرسال جنود من الجيش الإسرائيلى إلى القاهرة خلال ثورة يناير فى مصر لإنقاذ طاقم السفارة، وقال مسؤولون سابقون فى وزارة الخارجية الإسرائيلية الذين شاركوا فى إخلاء طاقم السفارة للصحف العبرية أن نتنياهو لم يذكر أبدا أى حديث حول عملية إنقاذ إسرائيلية خلال إدارة الأزمة فى غرفة العمليات داخل مقر الوزارة فى حينها.
بكل تأكيد هناك سبب وقف خلف كذب نتنياهو الذى سيحاول البعض فى الدالخل والخارج استغلاله فى الناحية التى يريدها، فهناك من سيعتبره دليلاً على ضعف الدولة المصرية أمام إسرائيل، وآخرون سيأخذون ما قاله نتنياهو كونه شهادة موثقة على كيف خضعت مصر وقتها للتهديدات الإسرائيلية، وأن الأمر لم يقتصر على حماية العاملين فى السفارة فقط، وإنما امتد لأمور أخرى قد يكون من بينها فرض الحصار على قطاع غزة تلبية لمطالب إسرائيلية، فكثيرون لن ينظروا للتوضيح الذى أصدره مكتب نتنياهو وكذب روايته الأولى، فهناك من لا يريد سوى سماع الرواية الأولى «الكاذبة»، لأنها توافق هواه السياسى والأيديولوجى، وبالتأكيد فإن هؤلاء هم من قصدهم نتنياهو بحديثه الكاذب، فهو شخص معروف عنه استغلال كل ما لديه من أدوات للوقيعة بين من يعتبرهم أعداءه، فأوقع بين الفلسطينيين، واليوم يحاول استخدام نفس الأداة مع المصريين، خاصة أنه يدرك وجود متلهفين لمثل هذه الروايات الكاذبة والبطولات الذائفة لينسجوا حولها الكثير من القصص والروايات الذائفة أيضاً.
لكن السؤال الآن، من سيحاسب نتنياهو على كذبه، وهل من حقنا فى مصر أن نحاسبه؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة