سبحان الله.. لغة المصالح تتحكم فى كل شىء من حولنا، تسيطر على مسارات العلاقات ليس بيننا كأشخاص فقط، ولكن كمؤسسات، وسأضرب مثالا اليوم بالعلاقة بين الحكومة والبرلمان، وهى بالأساس علاقة أصيلة بين رأس المؤسسة التشريعية ورأس المؤسسة التنفيذية، والطبيعى أنها تتسم بالمرونة والتجاوب من كل الطرفين، ولكن الواقعى أنها تقوى وتضعف حسب معادلات القوة واحتياج كل طرف للآخر.
والمتابع للمشهد يكتشف أن وضع حكومة المهندس شريف إسماعيل قبل بيان الحكومة يختلف عن وضعها بعد البيان، قبل البيان، كانت الحكومة تريد كسب رضا البرلمان فكانت طلبات النواب أوامر، وبعد البيان، أصبحت الطلبات «تحت الفحص والدراسة.. قبل البيان، كانت تأشيرات النواب بالموافقة وفى أقل من 72 ساعة، وبعد البيان، التأشيرات مؤجلة لأسبوع أو لاثنين أو أكثر.. قبل البيان كان يعقد رئيس الوزراء اجتماعا أسبوعيا مع هيئة برلمانية أو نواب محافظة أو تكتل حزب سياسى، وبعد البيان، لم يعقد ولا اجتماع واحد.. قبل البيان غضب بعض النواب مما يعرف بالتأشيرات «الفشنك»، ويومها غضب لغضبهم الدكتور على عبدالعال رئيس البرلمان، فترتب على غضبه تدخل رئيس الوزراء وتوجيه تعليمات لكل الوزراء بمنح تأشيرات جادة للنواب وقد كان، ولكن بعد البيان، تكرر غضب النواب دون أى رد فعل من رئيس الوزراء، لدرجة دفعت النواب إلى وصف حالة ردود الحكومة على طلبات النواب بحرف «الميم» أو «حكومة حرف الميم» فى دلالة إلى «معرفش.. مفيش.. مش ممكن.. مش دلوقتى هندرس».
أعتقد أن وصول نواب البرلمان لحالة من الإحباط فى تعاملهم مع الحكومة لدرجة «حرف الميم» تكشف لنا جانبا من الازدواجية من قبل الحكومة نفسها، لأنها الحكومة التى كانت تسعى لكسب الرضا ونيل التعاطف من أجل صوت واحد للحصول على الثقة، هى نفسها الحكومة الحالية التى تترفع عن التوقيع بالموافقة على طلبات للنواب أو حتى التجاوب بنسبة تقترب مثلما كان قبل بيان الحكومة فى دلالة واضحة على تعامل «المصلحة» وإن لم يكن ذلك، ففسر لى سبب التغير المفاجئ من قبل الحكومة؟
المؤسف أن فى جلسة حضور رئيس الوزراء للبرلمان قبل يومين لمناقشة قضية فرض الطوارئ بسيناء، وجد فى هذه الجلسة أغلب الأعضاء فى حضور لافت على غير الطبيعى من الحضور الضعيف الذى يشتكى منه الدكتور على عبدالعال، وتبين أن سببا أساسيا للحضور ليس فقط لأهمية عنوان جلسة مناقشة الطوارئ، ولكن لحضور شريف إسماعيل، لأن العشرات من النواب التفوا حوله حاملين مئات الأوراق والطلبات لتوقيعها والحصول على موافقات صريحة، وامتد الحصار حول الدكتور شريف إسماعيل حتى خارج قاعة البرلمان نفسها، قد تكون هى الطريقة الأمثل للنواب لإنهاء طلباتهم والحصول على موافقات سريعة بدلا من عناء انتظار ردود الوزراء، ولكن تجمع النواب حول رئيس الوزراء كان مشهدا «مؤسفا»، يعيدنا من جديد لنفس العصور القديمة، حين كان نواب الوطنى يلتفون حول الدكتور أحمد نظيف فى نفس القاعة وبنفس الطريقة.
ندرك جميعا أن كل وزير يحمل على كتفه مهمة ثقيلة من ملفات وزراته، تحديات ومشاكل بخريطة زمنية معقدة، مطلوب الانتهاء منها سريعا، ولكن فى نفس الوقت هموم المواطن المصرى يجب أن يكون لها الأولوية، خاصة إذا كان نواب الشعب قطعوا على أنفسهم العهد لتوصيلها إلى المسؤولين والوزراء.
رجائى أن يتم تنظيم العلاقة بين البرلمان ومجلس الوزراء، علاقة مرنة، تحافظ على هيبة النائب دون أن يظهر فى مشهد «يتحايل» فيه على وزير، وتحافظ أيضا على أعضاء الحكومة كمساندين للبرلمان ومتعاونين معه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة