فالاستغاثات بالسادة المسئولين لم تعد تؤتى أُكلها فهل نتخطى بالنداء الجميع لنوجهه فقط إلى من يهمه الأمر وبكل أسف لم يعد يهتم بالأمر كله سوى الرئيس السيسى فحسب، وكيف يحل الرئيس كل المشكلات ويستمع إلى كل النداءات؟
فإذا استعرضنا جهات القصور، لن تكفينا عدة مقالات لسردها ولكننا نتوقف من آن لآخر عند جهة بعينها قد فرضت على نفسها هذا التوقف نظرًا لحدة التجاوزات التى قد فاضت وطفح لها الكيل .
فمنذ عامين تقريبًا كنت قد كتبت مقالاً هنا للتنديد بمساوئ المنظومة العلاجية برمتها وعلى رأسها مستشفيات الدولة ليست فقط المجانية ولكن أيضًا الأقسام الاستثمارية بداخلها، كما عددت أوجه التقصير التى غالبًا لا تُعد ولا تُحصى وكان ذلك فى أعقاب التخلص من حكم الجماعة الإرهابية .
أما الآن وبعد أن تصورنا أن الأوضاع قد تحسنت نسبيًا خاصة بعد القرارات المبشرة بالخير التى أصدرها وزير الصحة بشأن أحقية أى مواطن فى دخول الرعاية المركزة فى أى مستشفى سواء كانت عامة أو خاصة دون أى تأمين وذلك لمدة ٤٨ ساعة !
كلام جميل جدا ولكن:
أدعو السيد وزير الصحة لمتابعة تنفيذ قراراته التى ذهبت أدراج الرياح على أعتاب المستشفيات الخاصة التى يصرح المسئولين عنها بالفم المليان، أنهم لا علاقة لهم بمثل هذه القوانين ولا تمت لهم بأية صلة وفى تحدٍ واضح. جداً تتكرر مقولة (روحوا للى قالكوا كده)!
وفى ثانى واقعة أتعرض لها خلال فترة مرض والدتى مع أحد المستشفيات الشهيرة فى مدينة المهندسين، وجدت ما لا يصدقه عقل ولا يختلف على بشاعته اثنان!
بداية: تبين أنه مشروع استثمارى بحت لا علاقة له بأى معنى من معانى المهنية ولا الإنسانية شأنه فى ذلك شأن غالبية أو كل المشافى الخاصة، ولكن الغريب فى هذا المكان أن كم السرقة والاستنزاف وانعدام الرحمة فاق كل الحدود، فكانت تكلفة اليوم الواحد تتراوح ما بين السبعة والعشرة آلاف جنيه، معظمهم بنود لا يستطيع أحد أن يتحقق من صدقها، وجزء كبير مجهول الهوية تحت مسمى مصاريف صيانة وخدمات، وإذا حاول أحدنا أن يستفسر عن هذه الخدمات، تجد أنها تخص قفازات الممرضة وغطاءات الأحذية فى الزيارات وصيانة الأجهزة الخاصة بالمكان وتغيير ملاءات السراير إلى آخره من بنود لا علاقة للمريض بها على الإطلاق !
فهل يتكفل المريض الذى يدفع يوميًا إيجار غرفة فى المستشفى أعلى من إيجار سويت فى أوتيل خمس نجوم بتكلفة غيار الملاية والقفاز الذى تستخدمه الممرضة والخطوة التى يخطوها الطبيب فى الكوريدور ذاهبًا إلى غرفته، ناهيك عن التحاليل التى تتكرر فى الفاتورة اليومية خمس مرات بشكل غير منطقى، وعندما تتجرأ بالسؤال عن السبب تجد ردودًا لا ترضيك ولا ترضى أحد، وأنت لا حول لك ولا قوة إذ أن عزيز عليك يخضع لسيطرة هؤلاء التجار من الأطباء وشياطين الشر المفترض أنهم. ملائكة الرحمة !
هذا فضلاً عن الورطة التى تتورط بها، فدخول الحمام مش زى خروجة، لا حبذا أن تظل حالة المريض على غير ما يُرام لاستمرار بقائه أطول مدة ممكنة بغض النظر عن حالته وكله بحسابه فالعداد لا يتوقف ولا يرحم !
وبعد تمكنا بفضل الله بعد ١٢ يوما من الاستنزاف أن نخرج بوالدتى من هذا المكان المرعب، فى حالة أسوأ بمراحل مما دخلت بها وتم نقلها إلى مكان آخر، جلست مع نفسى أستعرض هذا الكابوس الذى يتعرض له آلاف المرضى يوميًا، خاصة أن المستشفيات فى معظمها لا توجد بها سرائر فى الرعاية المركزة إلا بالواسطة !
فبطبيعة الحال لا يتردد أى شخص فى التضحية بالغالى والنفيس لديه من أجل الحصول على هذا السرير الغالى فى أى مكان وبأى ثمن عندما يخص الأمر أعز ما لديه، فالنتيجة الحتمية هى السقوط فى براثن هذا الفخ الذى لا يرحم !
وعند خروجنا من هذا المبنى الاستثمارى الفخم الذى لا علاقة له بالرحمة ولا الانسانية قلت للمدير المسئول أننى سأتقدم بشكوى لوزارة الصحة، فكان الرد: ابتسامة عريضة تحمل كل معانى اللامبالاة وعدم الاكتراث بهذا التهديد !
السيد وزير الصحة :
لعل رسالتى تصل لأسماع سيادتك، لربما تعيد النظر فى ضرورة إصلاح منظومة العلاج البائسة، ولتتابع بنفسك وتتأكد أن قرارات الوزارة يتم حفظها داخل الأدراج الموصدة ولا يلتفت لها أحد .فأبسط حقوق المواطن فى بلد تفشت به الأمراض المزمنة أن يجد العلاج، وكما تعلم. سيادتك أنه لا يوجد إلا خياران لا ثالث لهما:
إما الاستنزاف والدفع بغير حساب لمن يستطيع وهم قلة قليلة ويا ليته بجدوى.
إما الموت المحتم فى طرقات المستشفيات المجانية أو الخروج بعدوى لمرض خطير وهذا أضعف الإيمان !
أغيثونا يرحمكم الله..