الحديث الآن فى ليبيا منحصر فى زاوية واحدة، وهى تحرير مدينة سرت من تنظيم داعش الإرهابى، فالجيش الليبى تحت قيادة خليفة حفتر أعلن استعداده لتنفيذ العملية، كما شكلت حكومة الوفاق غرفة عمليات لتحرير المدينة، ووسط هذا الانشغال صعد إلى السطح حدثان لا يقلان أهمية عن تحرير سرت.
الحدث الأول تمثل فى إعلان المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطنى برئاسة فايز السراج إنشاء قوة عسكرية وأمنية جديدة باسم «الحرس الرئاسى»، تتخذ من العاصمة طرابلس مقرا لها، وحدد قرار إنشاء هذه القوات مجالات اختصاصها وتبعيتها وشروط الانضمام إليها، وينص القرار على أن مهام هذه القوة العسكرية تتمثل فى «تأمين المنشآت والمقار الحكومية وأعضاء الحكومة والوفود الأجنبية، بالإضافة إلى حراسة الأهداف الحيوية فى البلاد كالمنافذ البرية والبحرية والجوية وخطوط نقل النفط وشبكات المياه»، وحصر المجلس الرئاسى عضوية القوة العسكرية الجديدة على أفراد الجيش والشرطة الليبيين، الذين يعملون فى وحدات عسكرية موجودة فى الميدان، على أن يتم اختيارهم من مختلف مناطق ليبيا ويعاد دمجهم فى الهيئة العسكرية التابعة للقيادة العليا للقوات المسلحة. ويدور الحديث الآن على أن قوات الحرس الرئاسى ستكون بديلة للجيش الذى يترأسه حفتر، بعد الخلافات الشديدة التى دبت بين حفتر والسراج، حيث يريد المجلس الرئاسى أن تكون «الحرس الرئاسى» نواة لتأسيس جيش ليبى قادر على مواجهة التنظيمات الإرهابية، وفرض السيطرة الأمنية فى ليبيا، خاصة أن هناك أحاديث جانبية كانت تشير إلى أن السراج يريد إنهاء ظاهرة خليفة حفتر وجيش الكرامة الذى تخشى حكومة الوفاق الليبى من سيطرته على المنطقة الغنية بالبترول غرب ليبيا، لذلك فأنهم يحاولون تقويضه عن طريق قوات «الحرس الرئاسى» المطلوب منها فى البداية أن تعمل بمفردها على تطهير مدن الهلال النفطى من تنظيم داعش والسيطرة عليها قبل أن يفعلها جيش حفتر.
الحدث الثانى هو إعلان عدد من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الإمريكية نيتها الموافقة على تخفيف الحظر المفروض على تسليح الجيش الليبى حتى يتمكن من مواجهة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسهم تنظيم داعش، فالكل يعلم أن الجيش الليبى يعانى من أزمة التسليح بعد الحظر الذى فرضه مجلس الأمن على تسليح ليبيا، لكن مؤخرًا بدأت تسريبات دبلوماسية تشير إلى أن الولايات المتحدة مستعدة لتخفيف الحظر المفروض من الأمم المتحدة على تصدير الأسلحة إلى ليبيا، وذلك بهدف مساعدة حكومة الوفاق الوطنى على محاربة داعش.
ووفقًا لما نقلته وكالات الأنباء قبل يومين فأنه يمكن للأمم المتحدة، بموجب مشروع قرار يدعمه البيت الأبيض إدراج استثناءات على حظر أقره مجلس الأمن الدولى فى 2011 على بيع الأسلحة إلى ليبيا، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسؤول كبير فى الإدارة الإمريكية قوله «إذا أعدت الحكومة الليبية قائمة مفصلة ومتجانسة بما تحتاج إليه لمحاربة تنظيم داعش، واستجابت لكل شروط الاستثناء، فاعتقد أن أعضاء مجلس «الأمن الدولى» سينظرون ببالغ الجدية فى هذا الطلب.. هناك رغبة صحية جدا داخل ليبيا فى أن يتخلصوا بأنفسهم من تنظيم داعش، واعتقد أن هذا أمر علينا أن ندعمه ونلبيه».
وتزامنت هذه التسريبات مع تأكيدات غربية بعدم وجود نية لتوجيه ضربات عسكرية فى ليبيا، وإن كان هناك تفكير فى إرسال قوات لتدريب ومواكبة العسكريين الليبيين وتجهيزهم للمعركة الطويلة مع التنظيمات الإرهابية، خاصة أن الولايات المتحدة سبق وأرسلت مجموعة صغيرة من قوات أطلق عليها «قوات النخبة» إلى ليبيا لجمع المعلومات والاتصال بعدد من الفصائل المقاتلة، وهو ما كشفت عنه صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية مؤخرًا، فكل هذه التصرفات تصب فى اتجاه محاولة تقوية الجيش الليبى ودعمه بما يحتاجه من أسلحة تمكنه من مواجهة داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، لكن السؤال الآن أى جيش وأى قوة سيتم دعمها، هل الجيش الليبى الذى يترأسه حفتر، أم قوات الحرس الرئاسى. الواقع يؤكد أن الدعم الغربى سيتجه لقوات الحرس الرئاسى، لكن هذا لا يعنى القضاء نهائيًا على الجيش الليبى الذى سيظل يتلقى دعمًا من بعض الدول الغربية ودولاً عربية، وهنا تبدو الحاجة لتنسيق المواقف وتوحيد الجهود بدلاً من تفريقها، وهو الدور الذى يجب أن تقوم به مصر لعلاقاتها القوية بالسراج وحفتر.