من المحفوظات الرائجة بين السياسيين والمحللين، مع كل أزمة أو مشكلة، إرجاعها إلى غياب السياسة، يعنى «لو كان الوزير سياسيا»، المقصود هو الوزير الذى لا يكتفى بالقانون أو التخصص ويقدم حلا سياسيا، أو يكون قادرا على مخاطبة الجمهور وتسويق وجهات نظره، وإقناعه.
من المفارقات أن من يتحسرون على زمن الوزير السياسى، يضربون أمثلة بسياسيين أيام مبارك، مثل كمال الشاذلى وصفوت الشريف زكريا عزمى فتحى سرور، ممن كانوا قادرين على إدارة توزيع أدوار وملفات، ويمسك كل منهم بطرف من «شعرة معاوية» لا يدعها تنقطع. ستسمع أنهم كانوا قادرين على اللعب مع المعارضة وتدجينها والضحك عليها، ويخرج كل الأطراف «مبسوطين ومرضيين»، من يمتدحون ذلك يتجاهلون أنها أدت إلى جمود، ولم تنتج سياسة ولا سياسيين، فقط نظاما يمسك مبارك مفاتيحه، ويدير صراعات هؤلاء.
مؤخرا فى أزمة الصحفيين والداخلية، يقول البعض: «لو كان الوزير سياسيا لكان بإمكانه تنفيذ قرار النيابة دون صدام.. ولو كانت النقابة تدار سياسيا لما سعت لصدام صفرى. بعد إحكام الحبس على متظاهرى 25 إبريل، البعض اعترض على السرعة والتوقيت، مع إشارة إلى «غياب السياسة»، وتظهر «إشمعنى» عن السرعة فى قضية والبطء فى غيرها.
بعض من يطالبون بوزير سياسى يريدون من لديه قدرة على تحديد التوقيت واللعب والمناورة. وقد يرى الطرف الآخر أن هذه «هى السياسة» أن تصنع جدلا، وتنقل الحدث من نقطة لأخرى تغطى على الأولى، وأن السياسة قد تعنى إمكانية تعطيل القانون وتدخل الرئيس.
من المفارقات أن الأزمات تكشف صعوبة إقامة حوار بين مختلفين، والأمور دائما تصل للصدام، وحتى من ينتقدون تغييب السياسة فى السلطة يعجون عن ممارستها فى أحزابهم وتياراتهم، أى أنهم يفتقدون للسياسة التى تعنى تنازلات وتفاوضا ومساحات خلاف واتفاق، وليس البقاء عند نقاط غضب وسخرية وتيبس واكتئاب ولا مسافة للمناورة والخلاف. ومثلما قد تغيب السياسة عن السلطة، فهى غائبة لدى التيارات السياسية بتنوعاتها، لأنها تختصر الأمر فى التأييد أو المعارضة، بينما الأغلبية توجد فى مسافات متعددة، والسياسة لا تمنع الصدام بين المصالح المتعارضة.
ثم إن الممارسة التقليدية للسياسة تغيرت، وأصبحت عملية تسويق السياسات، وإقناع الجمهور، عملية معقدة، تقوم بها شركات وقنوات وصحف ومتخصصون، يمكنهم حتى تسويق الحرب تبريرا، وهى أسوأ الخيارات على أنها إنقاذ للبشرية مثلما فعلت أمريكا وتفعل، ليصبح السياسى الناجح هو الذى يقدم أكثر الخيارات مرارة كأنها اختيار شعبى، بما يعنى أن تسويق القرارات وتوقيتها أهم من القرارات نفسها، وهو ما يسمى «فن إدارة شعرة معاوية».