من يريد أن يلقى نظرة كاشفة لمدى الانحدار الأخلاقى الذى وصلنا إليه فعليه أن ينظر نظرة سريعة إلى تلك الحرب المشتعلة على مواقع التواصل الاجتماعى وأشهرها «الفيسبوك» عقب توارد أنباء عن اختفاء طائرة مصر للطيران المقبلة من باريس، فقبل صدور أية بينات رسمية وقبل تأكد تحطيم الطائرة، سارع بعض الشامتين فى إلصاق مسؤولية سقوط الطائرة المصرية على كاهل الحكومة المصرية، بينما سارع آخرون فى إلصاق التهمة على فرنسا، فدقت طبول الحرب واشتعلت معركة الهجوم باللينكات، كل طرف فى القضية يريد أن يثبت صحة موقفه المعروف مسبقا، لو أتيت بألف عقل على عقل الشامتين فلن يثنيهم هذا عن الادعاء بأن حكومة مصر هى المسؤولة ولو أتيت بألف عقل آخر للمدافعين فلن يثنيهم هذا عن الادعاء بأن فرنسا هى المسؤولة، وفى الخلفية يقف العديد من أصحاب التوجهات السياسية الخالية من الوطنية والإنسانية على حد سواء وراء اشتعال الأزمة، فأعداء مصر فى كل مكان يريدون أى شىء يضعف من قدرة مصر على مواجهة تحدياتها، ويريدون أى واقعة ليبثوا فيها سمومهم ويروجوا من خلالها ادعاءاتهم، بينما على الجانب الآخر يقف آخرون غير عابئين بأى شىء سوى عقد المقارنات بين موقف العالم من باريس، المسؤولة من وجهة نظرهم عن الكارثة، وموقفه من مصر بعد سقوط الطائرة الروسية، وكأن أكثر من 60 شخصا الذين كانوا فى الطائرة ليسوا «بنى آدمين» أو كأنهم آلات من حديد، ليس لموتهم حرمة ولا لأهاليهم حقوق.
حالة مرعبة من التخلى عن الروح الإنسانية فى مقابل إعلاء قيمة التناحر السياسى، ففى بلد غير هذا البلد وفى ظرف سياسى غير هذا الظرف الحرج كان من الطبيعى أن نأسى لأحوال الضحايا، وأن نستعرض الجهود المبذولة من أجل إنقاذهم، وأن نكثف جهودنا من أجل متابعة انتشالهم من اليابسة أو البحار، وأن نتقدم بالمواساة إلى أهاليهم، وأن نقف بجانبهم فى هذا الوقت العصيب، لكن للأسف توجهت بوصلة الرأى العام إلى المهمة الخاطئة، فبدلا من أن يتابع العالم أخبار الضحايا عارضا صورهم على أمل العثور على أحدهم تسابق العالم فى تحديد الجانى دون علم و«ضرب الودع» لطرح اسم الجهة المسئولة عن الواقعة.
لا أنسى هنا أن أشير إلى هذا الدور «غير المهنى» الذى اتخذته بعض الصحف ووكالات الأنباء العالمية حيال هذه القضية، فقد سارعت بعض الصحف ومنها «الجارديان» إلى التكهن بأسباب الواقعة ورسم السيناريوهات المختلفة لعملية السقوط، وذلك بلا معلومات أو إحصائيات أو بيانات، وللأسف هو ذاته الموقف الذى اتخذته هذه الصحيفة حينما تم اختطاف الطائرة المصرية منذ أسابيع إذ ادعت أن الراكب المصرى الذى يحاكم الآن فى قبرص كان مسلحا وأن الأمن المصرى يتحمل نتيجة هذا الاختطاف وهو الأمر الذى ثبت كذبه، وهو أمر يدل على أن مثل هذه الجرائد التى تدعى أنها على درجة كبيرة من المهنية تخالف أبسط قواعد المهنية وتصيبها فى مقتل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة