القضية الآن أصبحت واضحة، فمؤتمر فيينا الذى ناقش الوضع فى ليبيا انتهى إلى توصية مهمة جدًا من الدول الـ25 التى شاركت فى المؤتمر، وهى أنها تؤيد رفع حظر الأسلحة المفروض على طرابلس، مؤكدة استعدادها أيضًا لتسليم أسلحة إلى حكومة الوفاق الوطنى من أجل مساعدتها فى مواجهة التهديد المتنامى لتنظيم داعش الإرهابى.
هذه التوصية المهمة فى توقيتها ومغزاها جاءت بناء على دعوة من حكومة الوفاق الوطنى التى عبرت عن عزمها تقديم طلب إعفاء من حظر الأسلحة إلى لجنة الأمم المتحدة للعقوبات حول ليبيا، لشراء الأسلحة الفتاكة اللازمة والمعدات، لمواجهة الجماعات الإرهابية التى تحددها الأمم المتحدة ومكافحة داعش، وهو ما أكده فى ختام المؤتمر وزير الخارجية الأمريكى، جون كيرى، الذى قال إن المجتمع الدولى يدعم طلب طرابلس إعفاءها من الحظر الذى تفرضه الأمم المتحدة للحصول على الأسلحة والذخائر الضرورية لمحاربة داعش والجماعات الإرهابية الأخرى.
ومن الواضح أن هناك توجهًا جديدًا لدى القوى الغربية لدعم حكومة فائز السراج التى وضعت قائمة بالمطالب من الشركاء الغربيين لمساعدة القوات الليبية بالأسلحة والتدريب والمعلومات الاستخباراتية، وهو ما تحاول الدول الغربية التجاوب معه، أو كما أكد بيان فيينا «نتطلع إلى الشراكة مع حكومة الوفاق الوطنى والدول المجاورة، لمواجهة التهديد الذى تشكله على منطقة المتوسط وعلى حدودها البرية المنظمات الإجرامية المتورطة فى جميع أشكال التهريب وتهريب البشر، ونحن مستعدون للاستجابة لطلبات الحكومة الليبية لتدريب وتجهيز الحرس الرئاسى والقوات التى تتم الموافقة عليها بجميع أنحاء ليبيا».
ووسط هذا التأييد الدولى لحكومة «السراج» فمن المؤكد أن هناك حالة من الغموض تكتنف وضع الجيش الليبى، خاصة فى ظل سعى حكومة «السراج» إلى تأسيس قوات الحرس الرئاسى التى يبدو أنها ستكون بديلة للجيش الليبى بقيادة الفريق خليفة حفتر، وهنا نحن فى حاجة لرؤية واضحة لحسم هذا الخلاف، حتى لا نصل لطريق مسدود، وتبدو الأطروحة المصرية هى الأهم حاليًا، والتى يجب دعمها والاعتماد عليها كأساس للحل. الأطروحة المصرية التى شرحها وزير الخارجية، سامح شكرى، فى مؤتمر فيينا الأسبوع الماضى تعيد التأكيد على ضرورة تقديم الدعم الكامل للجيش الليبى، لاستكمال مسار مكافحة الإرهاب المستشرى، وذلك بصفة الجيش الشريك الشرعى تحت مظلة المجلس الرئاسى وحكومة الوفاق الوطنى، وحتى تتمكن الحكومة من العمل فى مناخ يمكنها من تحقيق تطلعات الشعب الليبى، كما أنها تطالب بمراجعة الأسباب التى أدت إلى انسداد الأفق السياسى فى أعقاب التوقيع الأول على الاتفاق السياسى فى 11 يوليو 2015، والذى كان يفترض بعده الانتقال إلى تنفيذ الاتفاق بدلاً من استمرار التفاوض بما أنتج المادة 8 التى تسهم فى تعثر الأمور حتى الآن.
كما تؤكد مصر ضرورة بناء حالة من الثقة المفقودة حاليًا بين طرفى المعادلة السياسية الليبية، ضمانًا لاحترام كل طرف دور الآخر مستقبلًا، وتأكيدًا لإمكانية تركيز جميع الأطراف على مهمة مكافحة الإرهاب وإعادة البناء، مع أهمية إقدام مجلس النواب الليبى على التصويت على حكومة الوفاق الليبية بأسرع ما يمكن، وفقًا لاتفاق الصخيرات، وبالتأكيد أيضًا على أهمية محاربة الإرهاب بأسلوب يحافظ على مؤسسات الدولة ووحدتها، وما يفرضه ذلك من ضرورة دعم الجيش الليبى لاستكمال عملية محاربة الإرهاب، لاسيما فى ضوء النجاحات التى حققها فى مدينة بنغازى ذات الأهمية الاستراتيجية.
ما طرحته مصر فى مؤتمر فيينا يمكن اعتباره خارطة طريق للحل فى ليبيا، خاصة أنها تعلى من مفهوم الدولة، وتحذر من وضع الميليشيات المسلحة، ومنحها وضعًا غير صحيح على الساحة الليبية، وفى الإطار نفسه تؤكد أهمية دعم المجلس الرئاسى الليبى ليبسط السيطرة على الوزارات، ومؤسسات الدولة فى العاصمة طرابلس، بالتعاون مع البعثة الأممية، بهدف وضع خطة محكمة عاجلة لإنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة التى تعد المسؤول الأول عن الفوضى فى ليبيا، فلا يعقل أن يبقى العالم متفرجًا على هذا الوضع المأساوى فى ليبيا، والذى يسمح للميليشيات المسلحة والإرهابية بفرض سيطرتها وكلمتها، فى حين أن هناك حكومة شرعية معترفًا بها دوليًا لا تستطيع فرض سيطرتها حتى الآن.
ما طرحته مصر يستوجب الإنصات والدراسة من جانب المهتمين بالشأن الليبى، خاصة فى الجزئية التى تطالب فيها مصر بـ«اعتماد معايير منضبطة لعملية فرز وغربلة العناصر التى ستنضم لقوات الجيش أو الشرطة أو الحرس الرئاسى، حيث إن التسرع بضم عناصر ميليشياوية إلى تلك المؤسسات ستكون له عواقب وخيمة إذا لم تحترم تلك المعايير».