وائل السمرى

«الوطنجية» ست جيرانها

الخميس، 26 مايو 2016 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مهنة جديدة يحترفها الفارغون



هناك فرق كبير بين أن تكون وطنيا، وأن تكون «وطنجيا» فالأول يخاف على وطنه بجميع فئاته وتجمعاته، ومجتمعاته وطبقاته، وقطاعاته، وأقاليمه وتفرعاته، وبيئاته ومصالحه ومستقبله، والثانى يخاف على نفسه فحسب، فيفعل كل شىء يجلب له الرفاهية، رافعا شعارا معلنا هو «الوطن فوق الجميع»، بينما الشعار الحقيقى هو «أنا فوق الوطن».

الوطنية «قيمة»، والوطنجية «حرفة». الوطنية لها ضريبة تدفعها عن رضا وطيب خاطر، لعلمك أن ما تدفعه اليوم سيعود على وطنك وأبنائك وأحبائك بالنفع غدا، و«الوطنجية» لها سعر تقبضه اليوم، مقابل أن تظل «بلطجى» يقف على قارعة الطريق. الوطنية لها شروط أهمها أن تعرف هذا الوطن وتاريخه وقيمته، أما «الوطنجية» فلها مؤهلات، أهمها أن تكون على مقدرة كافية لحمل «موس حلاقة» فى فمك لـ«تشرح» به من يعترض طريقك، أو يكشف زيفك.

لا يشترط أن تكون مثقفا لتتحدث باسم الوطنجية. لا يشترط أن تكون صاحب فكرة، أو صاحب صاحب فكرة لتطنطن باسم مصر بمناسبة وبدون. لا يشترط أن تكون متمتعا بمهارة ما، أو بقدرة ما، سوى أن تكون قادرا على الزج باسم مصر فى أى قضية تتولاها، فإن ذهبت لأى سوبر ماركت قلت لهم إنه من الواجب الوطنى أن أحصل على البضاعة مجانا، وإن دافعت عن تافه قل إن الوطن سيتهدم إن أصاب هذا التافه مكروه، وإن حاربت قيمة ما قل إن هذه القيمة تنوى تدمير الوطن، ولا تنسَ أن تستعين ببعض الوطنجيين المتمرسين فى الوطنجية معك فى هذه المعارك، فالوطنية لابد أن تكون مثل «الغجرية» التى هى «ست جيرانها»، وليس جيرانها فحسب وإنما جيران الجيران، وجيران جيران الجيران، إن لزم الأمر.

إن كنت عالى الصوت، مجيدا الانتفاخ، جيدا فى الإعلان عن نفسك، قادرا على المزايدة فهنيئا لك، أنت مؤهل تماما لتكون «وطنجيا» بامتياز، وقد حزت المجد الوطنجى من طرفيه، قل أى شىء فى أى وقت، وستجد كل المصفقين يصفقون لأنهم لا يعرفون ماذا قلت، مثلما لا تعرف أنت ماذا تقول، المهم أن تحشر اسم الوطن فى كل جميلة مفيدة، أو غير مفيدة، اصرخ وقل «هذا الوطاااااااااان»، ثم أفرغ سمومك على أى شخص، أو أى فكر، وستجد الناس منجذبين، واتصالات المعجبين تنهال، والمباركات الفخيمة تتوالى دون سابق إنذار.

زايد ثم زايد ثم زايد ثم زايد، تلك هى القاعدة، فالمزايدة هى قوت يومك وضياء مستقبلك، ومجد ماضيك، المزايدة هى حرفتك الأثيرة، حرفتك الوثيرة، حرفتك البازغة، ارهب أعداءك أنت بالوطن، اخدم أسيادك أنت بالوطن، عمم غباءك أنت بالوطن، افعل مثلما فعل الإرهابيون بالإسلام، وأوصم الوطن بالعنف والغل والكراهية، اتخذ منه شعارا تتقوت منه دون أن تفكر- هو الأمر الذى لا تقدر عليه- ولو للحظة فى المستقبل، اصطنع فى كل يوم معركة مع أى خصم حقيقى أو وهمى، فالمهم أن تكون هناك معركة، وأن تجد أنت مناسبة لتطنطن بطنطناتك، وتوطجن بوطنجياتك، لتعيش الوطنجية، والباقى مش مهم.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة